و استفاض عيونها، و خدّ أوديتها، فلم
يهن ما بناه، و لا ضعف ما قوّاه. هو الظّاهر عليها بسلطانه و عظمته، و هو الباطن
لها بعلمه و معرفته و العالي على كلّ شيء منها بجلاله و عزّته، لا يعجزه شيء
منها طلبه و لا يمتنع عليه فيغلبه، و لا يفوته السّريع منها فيسبقه، و لا يحتاج
إلى ذيمال فيرزقه، خضعت الأشياء له، و ذلّت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من
سلطانه إلى غيره، فتمتنع من نفعه و ضرّه، و لا كفوء له فيكافئه، و لا نظير له
فيساويه. هو المفنى لها بعد وجودها حتّى يصير موجودها كمفقودها، و ليس فناء
الدّنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها و اختراعها، و كيف و لو اجتمع جميع حيوانها
من طيرها و بهائمها، و ما كان من مراحها و سائمها، و أصناف أسناخها و أجناسها، و
متبلّدة أممها و أكياسها، على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، و لا عرفت كيف
السّبيل إلى إيجادها، و لتحيّرت عقولها في علم ذلك و تاهت، و عجزت قواها و تناهت، و
رجعت خاسئة حسيرة، عارفة بأنّها مقهورة، مقرّة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضّعف
عن إفنائها. و إنّه سبحانه يعود بعد فناء الدّنيا، وحده لا شيء معه، كما كان