و ظنّ بعض النّاس أنّ النعامة متولّدة من
جمل و طاير، و هذا لا يصحّ، و من أعاجيبها أنّها تضع بيضها طولا بحيث لو مدّ عليها
خيط لاشتمل على قدر بيضها و لم تجد لشيء منه خروجا عن الاخر، ثمّ إنّها تعطى كلّ
بيضة منه نصيبها من الحضن إذ كان كلّ بدنها لا يشتمل على عدد بيضها، و هي تخرج
لعدم الطعم، فان وجدت بيض نعامة اخرى تحضنه و تنسى بيضها. و لعلّها ان تصاد فلا
ترجع إليه و لهذا توصف بالحمق و يضرب بها المثل قال الشاعر:
فاني و تركى ندى الأكرمين
و قد حى بكفّى زنادا شحاحا
كتاركة بيضها بالعراء
و ملبسة بيض أخرى جناحا
قال
الدّميري: و النعام من الحيوان الذي يعاقب الذكر الانثى في الحضن و كل ذي رجلين
إذا انكسرت له إحداهما استعان بالاخرى في نهوضه و حركته ما خلا النعامة فانها تبقى
في مكانها جاثمة حتّى تهلك جوعا قال الشاعر:
إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد
على أختها نهضا و لا باستها حبوا
و ليس للنعام
حاسة السمع و لكن له شمّ بليغ، فهو يدرك بأنفه ما يحتاج فيه إلى السمع، فربما شم
رائحة القناص من بعد، و لذلك تقول العرب: هو أشم من النعامة قال ابن خالويه: ليس
في الدّنيا حيوان لا يسمع و لا يشرب الماء أبدا إلّا النعام و لا مخّ له و متى
رميت رجل واحدة له لم ينتفع بالباقية، و الضبّ أيضا لا يشرب و لكنه يسمع، و من
حمقها أنها إذا ادركها القناص أدخل رأسها في كثيب رمل تقدّر أنها قد استخفت منه، و
هو قوية الصّبر على ترك الماء و أشدّ ما يكون عدوها إذا استقبلت الريح، و كلّما
اشتدّ عصوفها كانت أشدّ عدوا، و تبتلع العظم الصلب و الحجر و المدر و الحديد
فتذيبه و تميعه كالماء.
قال الجاحظ:
من زعم أنّ جوف النعام يذيب الحجارة لفرط الحرارة فقد أخطأ و لكن لا بدّ مع
الحرارة من غرائز آخر بدليل أنّ القدر يوقد عليها الأيام و لا تذيب الحجارة، و كما
أنّ جوفي الكلب و الذئب يذيبان العظم و لا يذيبان نوى التمر، و كما أنّ الابل تأكل
الشوك و تقتصر عليه و إن كان شديدا كالسّمر و هو شجر أمّ غيلان و تلقيه