فهذا الوجه ألجأ الشّارح إلى تخصيصه
المقهورين بالعرب خاصّة.
قلت: غرض
أمير المؤمنين 7 من سوق كلامه حسبما عرفت سابقا و تعرفه أيضا أحكام
لحوق الذّل على فرق الأنام بسبب التفرّق و اختلاف الكلام من أيّ فرقة كانت، و ذكر
بني إسماعيل و إسحاق و إسرائيل من باب التمثيل و الاستطراد و مزيد التوضيح لهذا
المرام، و من المعلوم أنّ الذلّ اللّاحق ببنى إسرائيل من أجل اختلاف الاراء أظهر و
أجلى من الذلّ اللّاحق ببنى إسماعيل، فكون كلامه ذلك إشارة إلى مقهوريّة الفرقتين
جميعا أثبت لهذا الغرض و أدخل فى التوضيح.
و ما قاله
الشارح فى وجه تخصيص الأذلّاء المقهورين بالفرقة الثانية فقط من عدم المعرفة بمن
يحتازه الأكاسرة و القياصرة إلى البادية من بنى إسرائيل.
ففيه أوّلا
أنّه بعد ثبوت قوّة سلطنة الأكاسرة و القياصرة و استيلائهم على
البلدان و كون هممهم مقصورة على فتح الأمصار و على القتل و النّهب في الأصقاع و
الأقطار تارة بالعراق و توابعها، و أخرى بالشام و مضافاتها، فالعادة قاضية بانجلاء
أهلها منها حتما، و هربهم منها إلى البوادى و المفاوز البعيدة حفظا للدّماء، و
حذرا من النّهب و الاستيصال، فعدم المعرفة بأعيان المحتازين المشرّدين و عدم
وجدانهم لا يدلّ على عدم الوجود بعد شهادة الاستقراء و قضاء العادة و إفادة ظاهر
كلامه 7 له.
و ثانيا أنّ
مفاد كلامه 7 كما ترى أنّ بني إسماعيل و إسحاق و إسرائيل كانوا
مشرّدين عن عقر دارهم إلى البوادي بفعل الأكاسرة و القياصرة، يكفى في
صدق هذا الكلام و صحّته كون المشرّدين من مجموع الفرق الثلاث و إن كان من بعضها
قليلا كبنى إسرائيل على زعم الشّارح، و من البعض الاخر كثيرا كبنى إسماعيل، فلا
حاجة على ذلك إلى تمحّل التكلّف أصلا.
و بعد هذا
كلّه فلا بأس بأن نذكر طرفا ممّا وقع على بنى إسماعيل و بنى إسرائيل من القتل و
الغارة فى دولة الأكاسرة و القياصرة بملاحظة اقتضاء المقام و مسيس الحاجة.