و موضعه نصب على الحال أى جمعتهم الملّة
كائنة في عوائد بركتها أقول: و يجوز تعلّقه بقوله و التفّت فيكون مفعولا بالواسطة.
و قوله: و عن
خضرة عيشها قال الشّارح المعتزلي: عن متعلّقة بمحذوف تقديره، فأصبحوا فاكهين فكاهة
صادرة عن خضرة عيشها أى خضرة عيش النّعمة سبب لصدور الفكاهة و المزاح عنه أقول: لا
حاجة إلى تقدير المحذوف لجواز تعلّقها بقوله فاكهين و كونها بمعنى من النشوية أو
بمعنى اللّام كما في قوله تعالى وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ
لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ.
المعنى
اعلم أنّه
لمّا ذكر في الفصل السّابق محاسن الالفة و الاتّفاق و مفاسد الفرقة و الافتراق، و
أمر بالتدبّر في أحوال الماضين و أنّ الفتهم في بداية حالهم أوجبتهم العزّة و
الكرامة، و فرقتهم في آخر أمرهم سلبتهم غضارة النعمة فبقى قصص أخبارهم عبرا
للمعتبرين من المخاطبين، اتبعه بهذا الفصل تفصيلا لما أجمله من قصص أخبارهم و
تنبيها على جهة العبرة في تلك القصص فقال:
(فاعتبروا
بحال ولد إسماعيل) الذّبيح (و بني إسحاق) بن إبراهيم الخليل (و بني
إسرائيل) يعقوب بن إسحاق سلام اللّه عليهم، و علّل وجوب الاعتبار
بقوله:
(فما أشدّ
اعتدال الأحوال و أقرب اشتباه الأمثال) يعني أنّ أحوالكم أشدّ اعتدالا و
تناسبا لأحوالهم و أنّ أمثالكم أي صفاتكم أكثر قربا و مشابهة لصفاتهم فاذا كانت
الأحوال معتدلة متناسبة، و الصّفات متشابهة متماثلة وجب لكم الاعتبار بحالهم، و
أشار إلى جهة العبرة فيهم بقوله:
(تأمّلوا
أمرهم في حال تشتّتهم و تفرّقهم ليالي كانت الأكاسرة) أى ملوك الفرس (و
القياصرة) أى ملوك الروم (أربابا لهم) أى مالكين لرقابهم،
و كانت العرب تسمّى الملوك أربابا كما في قوله تعالى وَ قالَ
لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ
الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ.
و المراد من
المربوبين كما ذكره الشارح المعتزلي: بنو إسماعيل، فالضمير