عاملهم معاملة المختبر الممتحن فهو
استعارة تبعية لأنّ حقيقة الاختبار و هو طلب الخبرة و المعرفة بالشيء محال على
اللّه العالم بالسراير و الخبير بالصدور و الضمائر، و إنما هو في حقّ من لا يكون
عارفا و لكن لما كان شانه أن لا يجازى عباده على ما يعلمه منهم أنهم سيفعلونه قبل
أن يقع ذلك الفعل، و إنما يجازيهم على تكليفهم بما كلّفهم به فيثيب المطيعين منهم
و يعاقب العاصين، فأشبه ذلك باختبار الانسان لعبيده و تميزه لمن أطاعه ممّن عصاه
فاختباره لهم مجاز عن تكليفه إيّاهم و تمكينه لهم من اختيار أحد الأمرين، ما يريده
اللّه و ما يشتهيه العبد، و قد عرفت الكلام في تحقيق اختباره أبسط من ذلك في شرح
المختار الثاني و الستين.
و الحاصل
أنّه سبحانه امتحن بذلك ملائكته و هو يعلم المفسد من المصلح لِيَهْلِكَ مَنْ
هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.
و (ليميز
المتواضعين منهم من المستكبرين) فيثيب الأوّلين و هم من أصحاب اليمين بجنّة
عرضها السماوات و الأرضين، و يعاقب الاخرين و هم من أصحاب الشمال بالجحيم و لبئس
مثوى المتكبّرين.
(فقال
سبحانه و هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب) جملة معترضة أدمجها
بين القول و مقوله تنزيها له سبحانه عن كون اختباره عن جهل كما فى غيره، و
الاعتراض هنا كما في قوله تعالى يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ
وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ يعنى أنّه تعالى اختبر ملائكته بأن قال لهم
مع عمله بباطنهم:
(انى خالق
بشرا من طين فاذا سوّيته و نفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين) يعني إذا
عدلت خلقته و أتممت أعضاءه و صورته و أحييته و جعلت فيه الروح، و اضافة الروح الى
نفسه للتشريف، و معنى نفخت فيه إفاضته عليه من غير سبب و واسطة كالولادة المؤدّية
إلى ذلك، فانّ اللّه شرّف آدم و كرّمه بهذه الحالة، و قد مضى تفصيل الكلام في شرح
خلقة آدم 7 بما لا مزيد عليه في شرح الفصل العاشر من المختار الأوّل (فسجد
الملائكة كلّهم أجمعون) طاعة لأمر ربّ العالمين (الّا ابليس) استكبر و
كان من الكافرين، و قد مضى تفصيل الكلام في أمر الملائكة بالسجود له و كيفيّة