يعني أنّ كلا من الأجسام و الأشياء صغيرا
كان أو كبيرا فتفصيل جسمه و خلقته و هيئته تفصيل دقيق و اختلاف أشكالها و صورها و
ألوانها و مقاديرها اختلاف غامض السّبب، فلا بدّ للكلّ من مدبّر حكيم خصّصه بذلك
التفصيل و الاختلاف على اقتضاء التدبير و الحكمة، فثبت بذلك أنّها لا تفاوت فيها
بين الصّغر و الكبر في الافتقار إلى الصّانع المدبّر.
و أكّد ذلك
الغرض بقوله (و ما الجليل و اللّطيف) كالنخلة و النملة (و الثقيل
و الخفيف) كالتراب و السحاب (و القوىّ و الضعيف) كالفيلة و السخلة (في خلقه
إلّا سواء) لاستواء نسبة قدرته التي هي عين ذاته اليها.
و الغرض بذلك
دفع استبعاد نسبة الخلقة العظيمة و الخلقة الصّغيرة إلى صانع واحد، و وجه الدفع
أنّ المخلوقات و إن اختلفت من حيث الطبايع و الهيات و الأشكال و المقادير صغرا و
كبرا و ثقلا و خفّة و ضعفا و قوّة إلّا أنّها لا اختلاف فيها من حيث النسبة إلى
القدرة الكاملة للفاعل المختار.
(و كذلك
السماء و الهواء و الرياح و الماء) على اختلاف هيئاتها و هيئاتها و تباينها و
تضادها مشابهة للامور السابقة، مستوية لها من حيث الانتساب إلى القدرة.
تطبيق-
ازدواج- سجع (فانظر إلى الشّمس و القمر و النّبات و الشجر و الماء و الحجر و
اختلاف هذا اللّيل و النّهار و تفجّر هذه البحار و كثرة هذه الجبال و طول هذه
القلال و تفرّق هذه اللّغات و الألسن المختلفات.) لا يخفى ما في هذه
الفقرة و سابقتيها من الرقة و السّلاسة و اللّطافة من حيث اللّفظ و العبارة، حيث
تضمنت سياقة الاعداد مع مراعاة التطبيق و الازدواج و ملاحظة الأسجاع، و أمّا من
حيث المعنى فالمراد بها الأمر بالتدبّر فيما أودع في هذه الأشياء من غرايب الصنعة
و لطايف الحكمة و براهين القدرة و العظمة حسبما عرفت نبذا منها في شرح الفصل
الرابع و السادس من المختار التسعين فانظر ما ذا ترى.
و قال الشارح
المعتزلي: المراد بها الاستدلال بامكان الاعراض على ثبوت الصّانع، بأن يقال كلّ
جسم يقبل لجسميته المشتركة بينه و بين ساير الأجسام ما يقبله غيره من الأجسام،
فاذا اختلف الأجسام في الاعراض فلا بد من مخصّص و هو الصّانع الحكيم.