و لما ذكر
أنّ الغاية القيامة و نبّه على قربها و حذّر بأهوالها و بأهوال البرزخ الّذى قبلها
أردف ذلك بالتنبيه على زوال الدّنيا و فنائها و سرعة انقضائها فقال (و انصرفت
الدّنيا بأهلها) أى ولّت و أدبرت ظاهر مساق الكلام يعطى كون هذه الجملة معطوفة على
جملة أشرفت و أناخت، لكنّه يأبي عنه أنّ الجملتين السابقتين
خبران لقوله كأنها و هذه الجملة لا يصحّ جعلها خبرا، لأنّ الضمير في كأنّها راجع إلى
الساعة فلا يكون ارتباط بين اسم كأنّ و خبرها إلّا أن يجعل الضمير فيها ضمير
القصّة و لكنه يبعّده أنّ كأنّها هذه عطف على قوله و كأنّها قد جاءت، و الضمير
في المعطوف عليها راجع إلى الساعة قطعا فليكن في المعطوفة كذلك.
و بعد هذا
كلّه فلا مناص إلّا أن يجعل الجملة مستأنفه غير مرتبطة على سابقتها و لا بأس بذلك،
لأنّ الجملات السابقة في بيان أهوال الساعة، و هذه الجملة و ما يتلوها في بيان
أحوال الدّنيا.
تشبيه و ممّا
حقّقنا ظهر فساد ما قاله الشارح البحراني حيث قال: لما كانت الأفعال من قوله: و أناخت إلى قوله: و صار
سمينها غثا، معطوفا بعضها على بعض دخلت في حكم الشبه أى و كان الدّنيا قد
انصرفت بأهلها و كأنّكم قد اخرجتم من حضنها إلى آخر الأفعال، و المشبّه الأوّل هو
الدّنيا باعتبار حالها الحاضرة، و المشبّه به هو انصرافها بأهلها و زوالهم، و وجه
الشبه سرعة المضىّ أى كأنّها من سرعة أحوالها الحاضرة كالتي وقع انصرافها، و كذلك
الوجه في باقي التشبيهات انتهى.
و ملخّص وجه
الفساد إنّ القواعد الأدبيّة آبية من عطف الجملات بعضها على بعض.
استعاره
بالكنايه و قوله (و أخرجتهم من حضنها) استعارة بالكناية شبّهها بالأمّ المربّية
لولدها في حضنها ثمّ اعرضت عنه و اخرجته من حضن تربيته و أسلمته إلى نفسه (فكانت) نسبتها إلى
أهلها في قصر الزّمان و قلّة المدّة (كيوم مضى أو شهر انقضى).
و أشار إلى
تغيّر ما فيها و فساده بقوله: (و صار جديد هارثا) أى خلقا باليا
حقيقت- كنايه (و سمينها