و هذه الفقرة
مثل قوله 7 في الخطبة المأة و العاشرة: حملوا إلى قبورهم
فلا يدعون ركبانا، و انزلوا الأجداث فلا يدعون ضيفانا.
(فكأنّهم
لم يكونوا للدّنيا عمّارا، و كأنّ الاخرة لم تزل بهم دارا) يعني أنهم لظعنهم عن
الدّنيا و تركهم لها بكلّيتها كأنّهم لم يكونوا ساكنين فيها و عامرين لها.
و أنهم
لارتحالهم إلى الاخرة و استمرارهم فيها أبد الاباد كأنّها كانت لهم منزلا و مقيلا.
(أوحشوا ما
كانوا يوطنون) من دار الدّنيا (و أوطنوا ما كانوا يوحشون) من الدار
الاخرى استبدلوا بظهر الأرض بطنا و بالسعة ضيقا و بالأهل غربة و بالنّور ظلمة.
(و اشتغلوا
بما فارقوا و أضاعوا ما إليه انتقلوا) أى اشتغلوا بما فارقوا عنه من نعيم
الدّنيا و قيتا؟؟؟؟؟ تها و أضاعوا ما انتقلوا إليه من نعيم الاخرة و
لذّاتها.
و ذلك لكون
اشتغالهم بالدّنيا و شعفهم بلذّاتها الحاضرة مانعا لهم عن الالتفات إلى الكمالات
المؤدّية إلى لذّات الاخرة، فذهبت هذه اللذات ضياعا، و فاتت عنهم لما فرطوا فيها و
قصروا في تحصيلها و أعقبهم فواتها طول الحسرة و الندامة، و ملامة النفس اللوامة، و
ذلك لعظم ما حصلت لهم من الخيبة و الخسران، و عدم امكان تدارك تلك الحسرة و
الحرمان و إليه أشار بقوله:
(لا عن
قبيح يستطيعون انتقالا و لا في حسن يستطيعون ازديادا) أى لا يقدرون على
الانتقال و الازعاج عن أعمالهم القبيحة المحصلة للعذاب، و لا على الاكثار و
الازدياد من الأعمال الحسنة الكاسبة للثواب، إذ الانتقال عن الاولى و الازدياد من
الاخرى إنما يتمكّن منهما في دار التكليف، و الاخرة دار الجزاء و لذلك أنّ كلّا
منهم إذا دخل في قبره و شاهد هول المطلع قال: ربّ ارجعون لعلّى أعمل صالحا فيما
تركت، و يقال فى الجواب: كلا إنّها كلمة هو قائلها.
(أنسوا
بالدّنيا فغرّتهم) لأنها حلوة خضرة حفت بالشهوات و تحبّبت إلى الناس بلذّتها العاجلة
الحاضرة فأنسوا بها و نسوا الاخرة (و وثقوا بها فصرعتهم) أى اطمئنّوا
إليها و اعتمدوا عليها لما شاهدوا من حسن ظاهرها فصرعتهم في مصارع الهوان فبئست