إلى خراب بيت المقدّس و ما حوله حين
غزاهم بخت نصر فقال أنّي يحيى هذه اللّه بعد موتها، فأماته اللّه مأئة عام ثمّ
أحياه و نظر إلى أعصابه كيف تلتئم و كيف تلبس اللّحم و إلى مفاصله و عروقه كيف
توصل، فلما استوى قاعدا قال أعلم انّ اللّه على كلّ شيء قدير.
ثمّ إنّه
7 لما ذكر أنّه تعالى يفنى الأشياء بعد الوجود، و كان ذلك مستبعدا عند
الأذهان القاصرة و موردا للتعجّب لاستبعادها طريان العدم على هذه الأشياء الكثيرة
العظيمة كالسّماوات الموطدات و ما فيهنّ، و الأرضين المدحوّات و ما عليهنّ و غيرها
من الممكنات الموجودات أراد دفع الاستبعاد و التعجّب فقال:
(و ليس
فناء الدّنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها و اختراعها) لأنّ الانشاء و
الافناء إن لو حظا بالنسبة إلى قدرة الواجب تعالى فليس بينهما فرق، إذ نسبة جميع
المقدورات إليه تعالى سواء، لأنها كلّها ممكنة قابلة للوجود و العدم لذواتها و هو
سبحانه على كلّ شيء قدير، و إن لو حظابا لنظر إلى أنفسهما مع قطع النظر عن القدرة
فالابداع أغرب و أعجب من الاعدام سيّما إذا كان المبدع مشتملا على بدايع الخلقة و
أسرار الحكمة التي لا يهتدي إلى معشارها بعد الهمم و لا يصل إليها غوص الفطن كما
أشار إليه بقوله:
(و كيف) أى كيف يكون الفناء
أعجب (و لو اجتمع جميع حيوانها من طيرها و بهائمها و ما كان من مراحها و سائمها) أى من ذي مراحها أى الذي
أراحه راعيه فيه بالعشى (و أصناف أسناخها و أجناسها و متبلّدة اممها و أكياسها) أى غبيّها و
ذكيّها (على إحداث) أصغر حيوان و أحقره و أضعفه من (بعوضة) و نحوها (ما قدرت
على إحداثها، و لا عرفت كيف السّبيل إلى ايجادها) كما قال عزّ من
قائل:
و محصّل
المراد أنّه كيف يكون الفناء أعجب من الابداع و في
إبداع أضعف حيوان و أحقره و هي البعوضة ما يعجز عن تكوينه و إحداثه قدرة كلّ من
تنسب إليه القدرة، و تقصر عن معرفة الطريق إلى ايجادها ألباب الألبّاء.