المؤكّد فانّه سبحانه لما بالغ في الحثّ
و الحضّ عليها و تكرّر منه تعالى طلبها و الأمر بها في غير واحدة من الايات شبّهها
بالحاجة الّتي يفتقر إليها المحتاج و يبالغ في تحصيلها و الوصول إليها و الجامع
المطلوبيّة المتأكّدة.
و لمّا نبّه
على كونها سببا للوصول إلى رضوانه و غاية المطلوب من خلقه عقّبه بالأمر بها فقال
مجاز من باب تسمية المسبّب باسم السبّب- مجاز من باب تسمية اللّازم باسم الملزوم (فاتقوا
اللّه الّذي أنتم بعينه) أى بعلمه فاطلق العين و أريد العلم مجازا من باب تسمية
المسبّب باسم السبّب، أو اللّازم باسم الملزوم إذ رؤية الشيء سبب للعلم به و
مستلزم له.
و في الاتيان
بالموصول تأكيد الغرض المسوق له الكلام، فانه لما أمر بالتقوى و كانت التقوى حسبما
قاله الصادق 7 عبارة عن أن لا يفقدك اللّه حيث أمرك و لا يراك حيث
نهاك، أتى بالجملة الموصولة الوصفيّة تنبيها على أنّ اللّه عالم بكم خبير بأحوالكم
بصير بأعمالكم سميع لأقوالكم، و من كان هذا شأنه فلا بدّ أن يتّقى منه حقّ تقاته
إذ لا يعزب عنه شيء من المعاصي و لا يخفى عليه شيء من الخطايا كما يخفى على ساير
الموالي بالنسبة من عبيدهم.
و أكّده اخرى
بقوله (و نواصيكم بيده) يعني أنه قاهر لكم قادر عليكم متمكّن من
التصرّف فيكم كيف شاء و أىّ نحو أراد لا رادّ لحكمه و لا دافع لسخطه و نواصيكم
بيد قدرته، لا يفوته من طلب و لا ينجو منه من هرب.
و أكّده
ثالثة بقوله (و تقلّبكم في قبضته) أى تصرّفكم في حركاتكم و سكناتكم تحت ملكه و
قدرته و اختياره.
و قوله (إن
أسررتم علمه و إن أعلنتم كتبه) هو أيضا في معنى التأكيد و أن غير الاسلوب
على اقتضاء التفنّن، يعني أنّه عالم بالسرائر خبير بالضمائر سواء عليه ما ظهر منكم
و ما بطن لا يحجب عنه شيء ممّا يسرّ و ما يعلن كما قال عزّ من قائل:
سَواءٌ
مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ
بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ هذا و يدلّ قوله: إن أعلنتم كتبه بمفهومه على
أنّه لا يكتب ما لا يعلن و إن كان يعلمه، فيفيد عدم المؤاخذة على نيّة المعصية
بمجرّدها، و قد مضى تحقيق الكلام