(بل ظهر للعقول) و
تجلّى للبصائر (بما أرانا من علامات التدبير المتقن) المحكم (و)
آيات (القضاء المبرم) في الأنفس و الافاق
في أصناف الموجودات و أنواع المصنوعات المبدعة على أحسن نظام و أتقن انتظام على ما
عرفت تفصيلا و تحقيقا في شرح المختار التاسع و الأربعين.
و نزيد عليه
ايضاحا و تاكيدا ما قاله الصادق 7 للمفضل بن عمر في حديثه المعروف: يا
مفضّل أوّل العبر و الأدلّة على البارى جلّ قدسه تهيئة هذا العالم و تأليف أجزائه
و نظمها على ما هى عليه، فانّك إذا تأمّلت العالم بفكرك و ميّزته بعقلك وجدته
كالبيت المبنىّ المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده، فالسّماء مرفوعة كالسّقف و
الأرض ممدودة كالبساط، و النجوم منضودة كالمصابيح، و الجواهر مخزونة كالذخائر، و
كلّ شيء فيها لشأنه معدّ، و الانسان كالمملك ذلك البيت و المخوّل جميع ما فيه، و
ضروب النبات مهيّأة لماربه، و صنوف الحيوان مصروفة فى مصالحه و منافعه، ففي هذا
دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير و حكمة و نظام و ملايمة و أنّ الخالق له
واحد، و هو الّذى ألفه و نظمه بعضا إلى بعض جلّ قدسه و تعالى جدّه و كرم وجهه و لا
إله غيره، تعالى عمّا يقول الجاحدون و جلّ و عظم عما ينتحله الملحدون، هذا.
و لما ذكر
اجمالا أنّه تعالى تجلّي للعقول بما أظهر من آيات القدرة و علامات التدّبر أراد أن
يشير إلى بعض تلك الايات تفصيلا و هو خلق السماوات.
فقال (فمن
شواهد خلقه) أى آيات الابداع و علامات التدبّر المحكم أو ما يشهد من الخلق
بوجوده سبحانه و تدبيره و علمه أو ما حضر من خلقه أى ظهر وجوده بحيث لا يمكن لاحد
إنكاره من آيات تدبيره تعالى (خلق السماوات) و تخصيصها من بين
ساير الشواهد بالبيان لكونها من أعظم شواهد القدرة، و أظهر دلايل الرّبوبيّة، و
أوضح علائم التدبير حيث خلقت (موطدات) أى محكمات الخلقة
مثبتات في محالها على وفق النظام و الحكمة (بلا عمد) ترونها و لا دسار
ينتظمها (قائمات) في الجوّ (بلا سند) يكون عليه
استنادها و به اعتمادها (دعاهنّ) سبحانه فَقالَ لَها وَ
لِلْأَرْضِ ائْتِيا