طَوْعاً أَوْ كَرْهاً (فأجبن طائعات) كما قال حكاية عنها و عن
الأرض: قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ
حقيقت- استعاره [دعاهنّ فأجبن طائعات] و لفظ الدّعا و الاجابة في كلام الامام
7 إمّا محمولان على حقايقهما نظرا إلى أنّ للسّماوات أرواحا مدبّرة
عاقلة كما هو قول بعض الحكماء و المتكلّمين أو نظرا إلى أنّه تعالى خاطبها و
أقدرها على الجواب.
و إمّا
محمولان على المجاز و الاستعارة تشبيها لتأثير قدرته تعالى فيها و تأثّرها عنها
بأمر المطاع و إجابة المطيع الطائع كقوله: كُنْ فَيَكُونُ^، و هذا هو
الأظهر و يؤيّده ما حكي عن ابن عباس في تفسير الاية المتقدّمة أعني قوله: أَتَيْنا
طائِعِينَ، أنه قال أتت السماء بما فيها من الشمس و القمر و النجوم، و أتت
الأرض بما فيها من الأنهار و الأشجار و الثمار، و ليس هناك أمر ما بقول حقيقة و لا
جواب لذلك القول بل أخبر سبحانه عن اختراعه للسماوات و الأرض و إنشائه لهما من غير
تعذّر و لا كلفة و لا مشقّة بمنزلة ما يقال افعل فيفعل من غير تلبّث و لا توقّف و
لا تأنّ و هو كقوله: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
و من ذلك علم
أنّ قوله: (مذعنات غير متلكّئات و لا مبطئات) أراد به انقيادهنّ
من غير توقّف و لا إبطاء في الاصابة و خضوعهنّ في رقّ الامكان و الحاجة و
اعترافهنّ بلسان الذّل و الافتقار بوجوب وجود مبدعها و عظمة سلطان مبدئها.
(و لولا) اعترافهنّ و (اقرارهنّ
له بالربوبيّة) و القدرة و العظمة و لأنفسهنّ بالامكان و الذلّ و الحاجة (و
اذعانهنّ بالطواعية) و الامتثال لبارئهنّ (لما جعلهنّ موضعا
لعرشه) قال الشارح البحراني إقرارهنّ بالرّبوبيّة راجع إلى شهادة لسان
الحال الممكن بالحاجة إلى الرّب و الانقياد لحكم قدرته، و ظاهر أنه لو لا امكانها
و انفعالها عن قدرته و تدبيره لم يكن فيها عرش و لم يكن أهلا لسكنى الملائكة و
صعود الكلم الطيّب المشار اليه بقوله (و لا مسكنا لملائكته) و لعلّ
المراد بهم المقرّبون أو الأكثر لأنّ منهم من يسكن الهواء و الأرض و الماء (و لا
مصعدا للكلم الطيّب) و هو شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه
6 (و العمل الصالح) الصادر (من خلقه) و هو