(بصير لا يوصف بالحاسة) أما أنه بصير فقد مرّ تحقيقه في شرح الفصل السادس من الخطبة الاولى،
و أمّا تنزّهه عن الحواسّ فلأنّها من صفات الجسم
(رحيم لا يوصف بالرقة) لما كان الرحمة في الخلق عبارة عن رقّة
القلب و الانفعال النفساني و هما من أوصاف الممكن فحيثما يطلق عليه لفظ الرحيم
يراد به ما هو لازم الرحمة من الانعام و الافضال، و كذلك ساير الأوصاف الّتي لا
يصحّ اتّصافه تعالى بها باعتبار مباديها يوصف بها باعتبار غاياتها كالغضب في قوله: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ^،
فيراد به الانتقام و العقوبة لاستلزامه له، و المكر في قوله:
وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ
فيراد به جزائه سبحانه لمكرهم بالجزاء السوء.
(تعنو
الوجوه لعظمته) أى تذلّ و تخضع لأنه الإله المطلق لكلّ موجود و ممكن و العظيم الذي
كلّ مقهور تحت مشيّته و إرادته و داخر تحت جلاله و جبروته و عظمته (و تجب
القلوب من مخافته) أى ترجف و تضطرب من هيبته عند ملاحظتها لعظمة سلطانه و علوّ شأنه.
تنبيه
قد وعدناك
تحقيق الكلام في معنى متكلّميّته تعالى و أنّ كلامه سبحانه حادث أو قديم فنقول:
قد تواترت
الأنباء عن الأنبياء و الرّسل، و أطبقت الشرائع و الملل على كونه عزّ و جلّ
متكلّما لا خلاف لأحد في ذلك، و إنما الخلاف في معنى كلامه تعالى و في قدمه و حدوثه.
فذهب أهل
الحق من الامامية وفاقا للمعتزلة إلى أنّ كلامه تعالى مؤلّف من حروف و أصوات قائمة
بجوهر الهواء، و معنى كونه متكلّما أنه موجد للكلام في جسم من الأجسام كالملك و
الشجر و نحو ذلك، و على مذهبهم فالكلام حادث لأنه مؤلّف من أجزاء مترتّبة متعاقبة
في الوجود، و كلّ ما هو كذلك فهو حادث.
و قالت
الحنابلة: كلامه تعالى حروف و أصوات يقومان بذاته و أنه قديم، و قد