و لهذا قال
سيّد النّبيّين و أكمل المادحين: لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
ثمّ وصفه
باحاطة علمه سبحانه بجميع الجزئيّات و خفيّات ما في الكون، و قد عرفت في شرح الفصل
السابع من الخطبة الاولى عموم علمه تعالى بجميع الموجودات و عدد من ذلك هنا أشياء
فقال (لا يعزب عنه) أى لا يغيب عن علمه (عدد قطر الماء) المنزل من
السّماء و الراكد في متراكم البحار و الغدران و الابار و الجارى في الجداول و
الأنهار (و لا) عدد (نجوم السّماء) من الثوابت و
السّيار (و لا سوافي الرّيح في الهواء) أى التي تسفو التراب
و تذروه.
و تخصيصها
بالذكر من جهة أنها غالب أفرادها، فلا دلالة فيها على اختصاص علمه بها فقط، لأنّ
الوصف الوارد مورد الغلبة ليس مفهومه حجّة كما صرّح به علماء الأصولية و مثله قوله
تعالى: وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ، و يمكن أن يكون
غرضه الاشارة إلى أنه لا يخفى عليه سبحانه السوافي مع ما تسفوه من التراب، فانّ
التراب الّذي تحمله الرّيح و تبثّه في الجوّ لا يعلم مقداره و أجزائه و ذراته إلّا
اللّه سبحانه العالم بكلّ شيء.
(و لا) يعزب عنه (دبيب
النمل على الصفا و لا مقيل الّذر في اللّيلة الظلماء) أى لا يخفى حركة
آحاد النمل على الصّخر الأملس في اللّيلة المظلمة، و لا محلّ قيلولة صغار النّمل
فيها مع فرط اختفائهما عليه سبحانه بل علمه تعالى محيط بهما و بغيرهما من خفيّات
الموجودات و خبياتها.
فان قلت: لم
خصّص دبيب النمل بكونه على الصفا؟
قيل: لعدم
التأثّر بالدّبيب كالتراب إذ يمكن في التراب و نحوه أن يعلم الدّبيب بالأثر.
و فيه إنّ
بقاء أثر الدّبيب في التراب مسلّم إلّا أنّ حصول العلم به بذلك الأثر إمّا أن يكون
في اللّيل أو في النهار، و الأوّل ممنوع لأنّ ظلمة الليل المظلم مانعة