بالغفلة من المكلّفين أى الّذين غفلوا
عمّا اريد منهم من المعارف الحقّة و التكاليف الشرعية و لم يغفل عنهم و عمّا
فعلوا، لكون أعمالهم مكتوبة محفوظة في اللّوح المحفوظ و صحائف الأعمال و كلّ ما
فعلوه في الزبر و كلّ صغير و كبير مستطر (و التاركون) لما امروا به من الفرائض و الواجبات
(المأخوذ منهم) ما اغترّوا به من الأهل و المال و الزخارف و
القينات كنايه (ما لى أراكم عن اللّه ذاهبين) كناية عن اعراضهم عن اللّه سبحانه و التفاتهم إلى غيره تعالى (و إلى غيره راغبين) إشارة إلى رغبتهم في زهرة
الحياة الدّنيا و إعجابهم بها.
تشبيه (كأنّكم
نعم أراح بها سائم إلى مرعى وبىّ و مشرب دوىّ) شبّههم بأنعام ذهب
بها سائم إلى مرعى و مشرب وصفهما ما ذكر و المراد بالسائم حيوان يسوم
و يرعى و هو المستفاد من الشارح المعتزلي حيث قال: شبّههم بالنّعم الّتي تتبع نعما
اخرى سائمة أى راعية، و إنما قال ذلك لأنّها إذا تبعت أمثالها كان أبلغ في ضرب
المثل بجهلها من الابل الّتى يسميها راعيها، انتهى.
و فسّره
الشارح البحراني بالراعى أي الّذي يراعي النعم و يحفظها و يواظب عليها من الرعاية
و هو المراعاة و الملاحظة قال: شبّههم بالنّعم الّتي أراح بها راعيها إلى مرعى
كثير الوباء و الدّاء، و وجه الشبه أنهم لغفلتهم كالنّعم و نفوسهم الأمّارة
القائدة لهم إلى المعاصى كالراعي القائد إلى المرعى الوبىّ و لذات الدّنيا و
مشتهياتها و كون تلك اللّذات و المشتهيات محلّ الاثام الّتي هي مظنّة الهلاك
الاخروى و الداء الدّوىّ تشبه المرعى الوبيّ و المشرب الدويّ انتهى.
أقول: و هذا
أقرب لفظا و ما قاله الشارح المعتزلي أقرب معنى، و ذلك لأنّ لفظ السائم على قول
المعتزلي بمعنى الراعى من الرعى و هذا لا غبار عليه من حيث المعنى إلّا أنه يحتاج
حينئذ إلى حذف الموصوف أى حيوان سائم و نحوه و هو خلاف الأصل، و أمّا على قول
البحراني فلا حاجة إلى الحذف إلّا أنّ كون السائم بمعنى الراعى من الرعاية مما لم
يقل به أحد، و كيف كان فالمقصود تشبيههم بأنعام اشتغلت بالماء و الكلاء و غفلت
عمّا في باطنهما من السمّ الناقع و دوى الدّاء.