و ما علىّ إلّا بذل الجهد) و الاجتهاد (و
بلاغ الوسع) و الطاقة (و على اللّه سبحانه نهج السّبيل) و استبانته (و رشاد
الدّليل) و استقامته إذ المقدور للعبد هو الجدّ و الجهد و إكمال السّعى، و على
اللّه سبحانه من باب اللطف هدايته إلى الصّراط المستقيم و النّهج القويم (إن شاء
اللّه تعالى).
ثمّ اشار إلى
اسم ذلك الكتاب، و وجه تسميته بقوله: (و رأيت من بعد) الختام و التّمام (تسمية هذا
الكتاب بنهج البلاغة، إذ كان يفتح للنّاظر فيه أبوابها) أي أبواب البلاغة (و يقرّب
عليه طلابها) و به يهتدي إلى لطايفها، و يتمكن من الوصول إلى مزاياها و محاسنها،
كما أنّ بسلوك النّهج، و هو الطريق الواضح، يهتدى إلى المطلوب، و ينال المقصود، و
لهذا الوجه أيضا سمّينا شرحنا هذا بمنهاج البراعة، إذ به يحصل للنّاظر فيه التفوّق
و الغلبة على الاشباح و الأمثال، في العلم و الفضل و الكمال، و به يحاز قصب السبق
في مضمار الفخار، كما أنّ بالمنهاج و واضح السّبيل، يدرك منتهى الغرض و ينال غاية
الآمال (و فيه حاجة العالم و المتعلم و بغية البليغ و الزّاهد) أي ما يبتغيانه و
يطلبانه من فنون البلاغة، و شئون الزّهد (و يمضي في أثنائه) أي تضاعيف هذا الكتاب
(من الكلام في العدل و التوحيد) و قد سئل أمير المؤمنين 7 عنهما، فقال:
التّوحيد أن لا تتوهّمه و العدل أن لا تتّهمه، و رواه عنه 7: السيّد في
أواخر النّهج، و على ذلك فيكون عطف قوله: (و تنزيه اللّه تعالى عن شبه الخلق) على
ما سبق للتّفسير و التّوكيد، لأن كلّ ما توهّمته فهو مخلوق لك، مصنوع مثلك، و
اللّه سبحانه خالق الأرض و السماء، أجلّ و أعلى من أن يشبه بخلقه، أو يماثله خلقه،
و في خطب أمير المؤمنين 7، لتحقيق هذا المرام (ما هو بلال كلّ غلّة، و
شفاء كلّ علّة) أى ما يروي عطش كلّ غليل، و يشفي داء كلّ عليل (و جلاء كلّ شبهة)
أى ما يجلي و يكشف ظلام الشّبه، أو يذهب رين الشّكوك و الشّبهات عن القلوب، كما
يجلي السّيف و يصقل، و منه قوله 7: تحدّثوا، فانّ الحديث جلاء للقلوب،
إنّ القلوب لتزين كما يزيّن السّيف جلائه (و من اللّه سبحانه) تقديم الظرف لقصد
الحصر (أستمدّ