اللّيل، و كانت الريح مؤاتية لنا حق المواتاة و في الغد صباحا أرسينا في «هوليهيد» و أبررنا في الحال و دخلنا البلدة فسكنا في فندقها، و كان صاحبه يدعى «جاكسن». و لما رأى هذا الرجل أنّي أجنبي تصور أنّه سيربح منّي كثيرا إن استطاع أن يربثني في فندقه، و بذل إذن جميع مجهوده في أن يريدني على أن أقضي بعض الزمن في «هوليهيد» و لكن إيرلنديين حزرا ما نواه هذا و وبخاه، و دعواني أن أتغدّى معهما، و في المساء نفسه سافرنا معا في عربة البريد الذاهبة إلى «شستر».
بلدة هوليهيد
إنّ بلدة هوليهيد قذرة ظاهرة القذارة و مشهورة فقط بمينائها الّذي هو بإزاء دبلن و هي قائمة على جزيرة صغيرة يفصلها عن بلاد «الغال» ذراع من البحر يقارب في عرضه عرض نهر الكانج في مجراه شرقي كلكتا، و بلاد الغال و إنكلترا و الإيكوس هي أقسام بريطانيا الكبيرة الثلاثة، و ولي عهد المملكة أي الابن الأكبر للملك يلقب بأمير الغال.
و بعد مرحلة مقدارها خمسة و عشرون ميلا وصلنا إلى ذراع البحر الّذي ذكرته آنفا، و اجتزناه و نزلنا في «بانكور فيري»، و قدّم إلينا تصبّح نفيس، و واصلنا السفر بلا تلبث. و الموضع الأوّل الّذي توقفنا فيه بعد ذلك يسمّى «أبركونوي» و هذه مدينة عتيقة قائمة بين جبال شامخة على شاطئ نهر جميل، يصب في البحر على مسافة ما هناك، و كانت الجزيرة محصنة قديما، و يرى الرائي فيها حتّى الآن بقايا سورها و هي بقايا تشبه بقايا (اللّه آباد) في بلاد الهند. و بعد أن تغدينا صعدنا إلى العربة، و في منتصف اللّيل بلغنا «شستر». و هذا الصقع ذو أرض متعادية [1] و ذو تلال فكنّا غالبا مضطرين أن ننزل من العربة لنتسلق المواضع الأمايل [2]. و مع ذلك فبلاد الغال و إن كانت جبلية تشمل كثيرا من الأرضين القابلة للحراثة، و يكون فيها مراع خصيبة.