إنّي لم أتكلّم بعد على طريقة المعيشة عند الإيرلنديين، فكل منهم يتصبح في العادة بداره و لكنّهم يجتمعون في الغداء، و هذه الأكلة تكون على ثلاث خدمات، فبعد التغدّي يواصل الرجال شرب النبيذ ساعة أو ساعتين ثمّ يلتحقون بالنّساء لشرب الشاي أو القهوة. و في المساء يجلسون إلى المائدة لتناول ما يسمونه «سوبر» أي العشاء، و هذه كانت أكلتي المفضلة، لأنّهم لا يحتفلون لها كاحتفالهم للغداء، فالخدم ينصرفون و الضيوف يخدمون أنفسهم.
إنّ لأهل هذه البلاد طريقة حميدة جدا في كيفية الزيارة الطقوسية [1]، فإنّ الإنسان يكتفي بأن يذهب إلى باب الدار لمن يريد زيارته فيطرق الباب و يقدم اسمه إلى الخدم في قطعة مربعة من الورق المقوّى تسمّى «بطاقة الزيارة»، فإن كان يريد أن يرى سيد الدار في داره دخل و قضى نصف ساعة معه، و هذه العادة فيها ما يدهش الرجل الهندي، و لهم عادة أخرى في أوروبا أستحبها كثيرا و هي التخلص من حضور الخدم عند استطاعته [2]، و الأمر في الهند بالضد فإنّهم لا يخرجون من مثواهم في الدار و لكنّهم هنا ينصرفون حالما ينتهي التغدّي و لا يظهرون إلّا بعد أن يدق جرسهم و أستحسن كذلك عادة الأوروبيين في أنّهم لا يقطعون على أحد كلامه حينما يكونون جماعة، و لا يتكلمون إلّا بصوت ليّن و معتدل، و ذا مساء حينما كنت أحادث سيدة الدار، دخل خادم البهو و في يديه صحن من الخضار الصيني الفائق فعثرت رجله لسوء حظه بالبساط فسقط و انكسر الصحن ألف كسرة و لكن السيدة لم تظهر أنّها لحظت هذا الحادث و واصلت محادثتها إيّاي بأبرد دم، و أعدم ندم.
و يطيب لي أن أنصف الإيرلنديين جدا لأنّي قبل أن أبر في أرضهم كنت احتقبت عليهم أحكاما سيّئة بسماعي أحاديث ناس من المسافرين، فقد وصفوهم بالغلظة و الخشونة و الرداءة و الوحشية.