و إذ لم يكن لي قط شغل يحدوني على مغادرة دبلن عزمت على السكنى بعض الزمان في هذه البلاد، و إن خاطرت بكوني وحيدا بين الأجانب، و لم أشعر بندم على ذلك، و الأشخاص الّذين يعرفونني لما رأوا أنّ الضابط «ريشاردسن» تركني وحيدا، ضاعفوا العناية بأمري، و أعترف أنّي منذ أن لم يكن لي بعد ذلك مترجم تقدّمت في تعلّم اللغة الإنكليزية تقدّما سريعا.
و لما كانت غايتي من السفر إلى دبلن أن أقدم ما يجب عليّ من الاحترام إلى اللورد «كورنواليس» أبلغته بذلك بعيد وصولي و استأذنته في أن أزوره، فأعربت لي سيادته عن سروره بأنّه يستطيع أن يراني غد ذلك اليوم، و لقيت منه في الحقيقة أحب استقبال، و هذا اللورد كلّف صاحب سرّه أن يريني عجائب المدينة، و ألزمني في الوقت نفسه أن أحضر لرؤيته غالبا في قصره، و في أثناء إقامتي بدبلن كنت أذهب إليه بغير انقطاع أقدم إليه ثنائي [1] كل أسبوع و في كل مرة أرى منه أدلّة على الإقبال وحب الاتصال.
و إنّي واصف لقراء رحلتي هذه المدينة و رأيي فيها و هي أجمل مدينة في الحقيقة رأيتها حتّى ذلك الوقت. دبلن على مسافة قريبة من البحر و محيطها اثنا عشر ميلا، و فيها منازل كثيرة مبنية بالحجارة، و كأنّها لم يستعمل في بنائها ملاط من شدّة تلاحم الحجارة و تطابقها، و أكثر الدور فيها مع ذلك مبنية من الآجر، الملحم بالسمنت، و هذا السمنت يشكل حول الآجرة حاشية صغيرة بيضاء، و منازل كل طريق على سمك واحد، و هذا يضفي عليها في الظاهر، استواء جدّ مقبول في العين، و دواخل الدور مصبوغة بالبياض أو مزوقة بالألوان الأخرى، و يرى الرائي في كل دار شبابيك ذات زجاج، و كل الدور على التقريب لها أربع طبقات، إحداهن تحت وجه الأرض و فيها المطابخ و المغاسل و أقبية الفحم و النبيذ و غيرها، و الطبقة السفلى مخصصة بالدكاكين و مجالس الطعام، و الطبقة الأولى هي المزخرفة زخرفة أنيقة جدا و فيها تستقبل الأصحاب، و الثانية فيها غرف النوم لسيد الدار و سيدتها، و الّذين يأتون لزيارتهما ثمّ الثالثة و هي الّتي تعلو شبابيكها على السطوح و سقوفها خفيضة جدا، تستعمل لإسكان الخدم. إنّ سطوح الدور مغطاة بحجارة زرق، سخيفة