إحساسا [1] طيبة، و قد كنت رأيت في سياحتي خليج [2] جنوة و مضيق الدردنيل و لكن لم يظهر لي ذاك و لا هذا موازيا لما هو نصب عينيّ [3].
و فيما بعد الظهيرة ذهبنا لزيارة المدينة، و لكن داخلها لا يناسب ظاهرها، فليس فيها عمارة فخمة و لا تستعمل إلّا لإرساء السفن الّتي تنقل إليها التجارات و ليس فيها إلّا شارع واحد طوله نصف ميل في أكثر تقدير، و مع هذا يرى الإنسان عدّة دكاكين معروض فيها التفاح و الكمثري و العنب و أكثر ما فيها فواكه جافة، و لما و فينا ما في أنفسنا من حب الاطلاع، ذهبنا إلى البريد و سلمنا إليه كتبنا، و سيّدة الدار الّتي سكناها و قد كانت كريمة التضييف جدا رجت منا البقاء للغداء، و خدمتنا حين تغدّينا هي و أبناؤها و بناتها، و كان الطعام من السمك و لحم البقر و البطاطس، من الأنواع النفيسة جدا، و لم آكل شبيها لها في النفاسة في حياتي، و كل هذه السلع مشهورة في مدينة كورك هذه، و سفن لندن تأتيها تتسوق و تتزود من أسواقها، و لما قرب حين رجوعنا إلى السفينة أردنا أن ندفع ثمن غدائنا، كما هو العادة في أوروبا و لكن مضيفتنا لم تقبل شيئا منّا، و أرادتنا، فوق ذلك، على أن نجيئها في الغد لنزور المدينة، و قالت لنا إنّ فيها كثيرا من التحف و النوادر، فقبلنا ما دعتنا إليه، و في الغد صباحا صرنا إلى دارها فقدّمت لنا أفراسا و كلفت ابنها باستصحابنا. إنّ سيرة هذه السيّد الطيبة أعجبتني جدا، و كان لها واحد و عشرون ولدا [4]، بقي منهم في الحياة ثمانية عشر، و هم يسكنون معها، و لم أقدر عمرها بأكثر من ثلاثين سنة.
و بعد أن سرنا قرابة ثلاثة أميال بلغنا شاطئ «لي» و هو نهر قد رست فيه عدّة سفن صغار، و في هذا الموضع طوف كبير، و إذ كانت أفراسنا مروضة ذللا وضعناها فيه بسهولة و هكذا عبرنا النهر. و من هنا إلى كورك