كيفية المحاجّة مع اليهود فيما يرونه محرّما بأن يتمسك بعدم الوجدان، و هذا ظاهر في أن عدم الوجدان كاف للتأمين.
و يرد عليه أن عدم وجدان النبي فيما أوحي إليه يساوق عدم الوجود الفعلي للحكم، فكيف يقاس على ذلك عدم وجدان المكلف المحتمل أن يكون بسبب ضياع النصوص الشرعية (1).
و منها: قوله تعالى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.(115) (2)
و تقريب الاستدلال بالآية الكريمة أن المراد بالإضلال فيها إما تسجيلهم ضالين و منحرفين، و إما نوع من العقاب، كالخذلان و الطرد من أبواب الرحمة، و على أي حال فقد أنيط الاضلال ببيان الحكم الذي يتقونه و حيث أضيف البيان لهم فهو ظاهر في وصوله إليهم، فمع عدم وصول البيان لا عقاب و لا ضلال، و هو معنى البراءة (3).
(1) بيّنّا في تعليقتنا على هذه الآية في الحلقة الثالثة أنّ هذه الآية المباركة تدلّ على البراءة العقلية بوضوح، و ذلك لأنه لا يصحّ للرسول- الذي يتكلم كإنسان عادي لا من حيث هو نبي لأن اليهود في مقام المخاصمة ينكرون نبوّته- الاستدلال بهذه الكيفية إلّا أن يريد منه الاستدلال بالحلية العقلية عند عدم العلم بالحرمة، و إذا ثبتت الحلية عقلا ثبتت البراءة العقلية بشكل عام لوضوح إرادة الاستدلال بالبراءة العقلية.