التعدد، و الأطراف غير متناهية عددا. فالفضيلة بمثابة مركز الدائرة، و الرذائل بمثابة سائر النقاط المفروضة من المركز إلى المحيط، فإن المركز نقطة معينة، مع كونه أبعد النقاط من المحيط، و سائر النقاط المفروضة من جوانبه غير متناهية، مع أن كلا منها أقرب منه من طرف إليه.
فعلى هذا يكون بإزاء كل فضيلة رذائل غير متناهية، لأن الوسط محدود معين، و الأطراف غير محدودة، و تكون الفضيلة في غاية البعد عن الرذيلة التي هي نهاية الرذائل، و يكون كل منها أقرب منها إلى النهاية [1] ، و مجرد الانحراف عن الفضيلة من أي طرف اتفق يوجب الوقوع في رذيلة.
و الثبات على الفضيلة و الاستقامة في سلوك طريقها بمنزلة الحركة على الخط المستقيم، و ارتكاب الرذيلة كالانحراف عنه، و لا ريب في أن الخط المستقيم هو أقصر الخطوط الواصلة بين النقطتين، و هو لا يكون إلا واحدا، و أما الخطوط المنحنية بينهما فغير متناهية، فالاستقامة في طريق الفضيلة و ملازمتها على نهج واحد، و الانحراف عنه تكون له مناهج غير متناهية، و لذلك غلبت دواعي الشر على بواعث الخير.
و يظهر مما ذكر أن وجدان الوسط الحقيقي صعب، و الثبات عليه بعد الوجدان أصعب، لأن الاستقامة على جادة الاعتدال في غاية الإشكال، و هذا معنى قول الحكماء «إصابة نقطة الهدف أعسر من العدول عنها، و لزوم الصوب [2] بعد ذلك حتى لا يخطيها أسر» و لذلك لما أمر فخر
[1] أي أن كلا من الرذائل أقرب من الفضيلة إلى النهاية.
[2] الصواب: يقال فلان مستقيم الصوب إذا لم يزغ عن قصده يمينا و شمالا.