و البرد و أشباهها. و هذه اللذات و الآلام تصل إلى النفس و هي الملتذة و المتألمة حقيقة إلا أن كلا منها يصل إليها بواسطة القوة التي تتعلق بها. و الفرق بين الكل ظاهر.
و ربما يشتبه بين ما يتعلق بالوهم و الخيال و ما يتعلق بالقوة الغضبية من حيث اشتراكهما في الترتب على التخيل.
و يدفع الاشتباه بأن ما يتعلق بالغضبية و إن توقف على التخيل إلا أن المتأثر بالالتذاذ و التألم بعد التخيل هو الغضبية و بواسطتها تتأثر النفس، ففي هذا النوع من اللذة و الألم تتأثر الغضبية ثم تتاثر النفس.
و أما ما يتعلق بالوهم و الخيال فالمتأثر بالالتذاذ و التألم هاتان القوتان و يصل التأثر منهما إلى النفس من دون توسط القوة الغضبية.
و مما يوضح الفرق أن الالتذاذ و التألم الخياليين لا يتوقفان على وجود غلبة و مغلوبية مثلا في الخارج، و أما الغضبيان فيتوقفان عليهما.
ثم أقوى اللذات هي العقلية لكونها فعلية ذاتية غير زائلة باختلاف الأحوال، و غيرها من اللذات الحسية انفعالية عرضية منفعلة زائلة، و هي في مبدإ الحال مرغوبة عند الطبيعة، و تتزايد بتزايد القوة الحيوانية، و تتضعف بضعفها إلى أن تنتفى بالمرة، و يظهر قبحها عند العقل، و أما العقلية فهي في البداية منتفية، لأن إدراكها لا يحصل إلا للنفوس الزكية المتحلية بالأخلاق المرضية، و بعد حصولها يظهر حسنها و شرفها، و تتزايد بتزايد القوة العقلية إلى أن ينتهي إلى أقصى المراتب، و لا يكون نقص و لا زوال.
و العجب ممن ظن انحصار اللذة في الحسية و جعلها غاية كمال الإنسان و سعادته القصوى. و المتشرعون منهم قصّروا اللذات الآخرة على الجنة و الحور و الغلمان و أمثالها، و آلامها على النار و العقارب و الحيات و أشباهها، و جعلوا الوصول إلى الأولى و الخلاص عن الثانية غاية في زهدهم و عبادتهم