و قد يكون اعتدال القوى فطريا بحيث يبلغ الإنسان كامل العقل، فاضل الأخلاق غالبة قوته العاقلة على قوتي الغضب و الشهوة، كما في الأنبياء و الأئمة :. و قد يكون مجاوزتها عن الوسط كذلك بحيث يبلغ ناقص العقل ردي الصفات مغلوبة عاقلته تحت سلطان الغضب و الشهوة، كما في بعض الناس.
إلا أن الحق-كما يأتي-إمكان زوالها بالمعالجات المقررة في علم الأخلاق، فيجب السعي في إزالة نقائضها و تحصيل فضائلها. و عجبا لأقوام يبالغون في إعادة الصحة الجسمانية الفانية، و لا يجتهدون في تحصيل الصحة الروحانية الباقية، يطيعون قول الطبيب المجوسي في شرب الأشياء الكريهة و مزاولة الأعمال القبيحة، لأجل صحة زائلة، و لا يطيعون أمر الطبيب الإلهي لتحصيل السعادة الدائمة.
و بقاء النفس على النقصان إما لعدم صرفها إلى طلب المقصود لملابسة العوائق و الموانع، أو مزاولة النقيض لتمكن موجبه، أو لكثرة اشتغالها بالشواغل المحسوسة، أو لضعف القوة العاقلة، فإن لم تدركها العناية الإلهية فلا يزال يتزايد النقصان و يبعد عن الكمال الذي خلق لأجله، إلى أن تدركها الهلاكة الأبدية و الشقاوة السرمدية، نعوذ باللّه من ذلك و إن أدركته الرحمة الأزلية، فيصرف همه في إزالة النقائص، و اكتساب الفضائل، فلا يزال يتصاعد من مرتبة من الكمال إلى فوقها، حتى يصير من أهل مشاهدة الجلال و الجمال، و يتشرف بجواز الرب المتعال و يصل إلى السرور الحقيقي، الذي لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر و إلى قرة الأعين التي يشير إليها في قوله سبحانه: