كما أشار إليه صلى اللّه عليه و آله: «ان لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها» فإن التعرض لها إنما هو بتطهير القلوب عن الكدورات الحاصلة عن الأخلاق الردية [1] فكل إقبال على طاعة و إعراض عن سيئة يوجب جلاء و نورا للقلب يستعد به لإفاضة علم يقيني، و لذا قال سبحانه:
و قال النبي 6: «من عمل بما علم ورثه اللّه علم ما لم يعلم» فالقلب إذا صفى عن الكدورات الطبيعية بالكلية يظهر له من المزايا الإلهية و الإفاضات الرحمانية ما لا يمكن لأعاظم العلماء كما قال سيد الرسل: «إن لي مع اللّه حالات لا يحتملها ملك مقرب و لا نبي مرسل» .
و كل سالك إلى اللّه إنما يعرف من الألطاف الإلهية و النفحات الغيبية ما ظهر له على قدر استعداده، و أما ما فوقه فلا يحيط بحقيقته علما لكن قد يصدّق به إيمانا بالغيب كما انا نؤمن بالنبوة و خواصها و نصدّق بوجودهما و لا نعرف حقيقتهما كما لا يعرف الجنين حال الطفل و الطفل حال المميز و المميز من العوام حال العلماء و العلماء حال الأنبياء و الأولياء.
فالرحمة الإلهية بحكم العناية الأزلية مبذولة على الكل غير مضنون بها على أحد، لكن حصولها موقوف على تصقيل مرآة القلب و تصفيتها عن الخبائث الطبيعية، و مع تراكم صدأها الحاصل منها لا يمكن أن يتجلى فيها شيء من الحقائق، فلا تحجب الأنوار العلمية و الأسرار الربوبية عن قلب من القلوب لبخل من جهة المنعم تعالى شأنه عن ذلك، بل الاحتجاب
[1] المراد من النفحات هي الإفاضات المعنوية لا النسمات كما وردت بالمعنى الثاني في بعض الأخبار.