ثم إذا تخلت عن مساوئ الأخلاق و تحلت بمعاليها على الترتيب العلمي استعدت لقبول الفيض من رب الأرباب، و لم يبق لشدة القرب بينهما حجاب، فترتسم فيها صور الموجودات على ما هي عليها، على سبيل الكلية أي بحدودها و لوازمها الذاتية لامتناع إحاطتها بالجزئيات من حيث الجزئية، لعدم تناهيها، و إن علمت في ضمن الكليات لعدم خروجها عنها، و حينئذ يصير [1] موجودا تاما أبدي الوجود سرمدي البقاء، فائزا بالرتبة العليا، و السعادة القصوى، قابلا للخلافة الإلهية و الرئاسة المعنوية، فيصل إلى اللذات الحقيقية، و الابتهاجات العقلية التي ما رأتها عيون الأعيان، و لم تتصورها عوالي الأذهان.
فصل (الأخلاق الذميمة تحجب عن المعارف)
الأخلاق المذمومة هي الحجب المانعة عن المعارف الإلهية، و النفحات القدسية إذ هي بمنزلة الغطاء للنفوس فما لم يرتفع عنها لم تتضخ لها جلية الحال اتضاحا، كيف و القلوب كالأواني فإذا كانت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء فالقلوب المشغولة بغير اللّه لا تدخلها معرفة اللّه و حبه و أنسه، و إلى ذلك أشار النبي 6 بقوله: «لو لا أن الشياطين يحرمون إلى قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات و الأرض» فبقدر ما تتطهر القلوب هن هذه الخبائث تتحاذى شطر الحق الأول [2] و تلألأ فيها حقائقه
[1] تذكير الضمير باعتبار إرادة الإنسان لأنه صاحب النفس بل هو هي.
[2] المراد من الحق الأول هو اللّه تبارك و تعالى فكما ان الحق صفة له كذلك الأول فهو صفة بعد صفة.