و استعظام نفسه، فإنه لا ريب في كونه ممكنا، و كل ممكن في ذاته صرف العدم و محض اللاشيء، كما ثبت في الحكمة المتعالية، و وجوده و تحققه و كماله و آثاره جميعا من الواجب الحق، فالعظمة و الكبرياء إنما تليق بمفيض وجوده و كمالاته، لا لذاته التي هي صرف العدم و محض الليس، فإن شاء أن يستعظم شيئا و يفتخر به فليستعظم ربه و به افتخر، و يستحقر نفسه غاية الاستحقار و حتى يراها صرف العدم و محض اللاشيء. و هذا المعنى يشترك فيه كل ممكن كائنا من كان.
و أما المهانة و الذلة التي تخص هذا المعجب و بني نوعه، فكون أوله نطفة قذرة و آخره جيفة عفنة، و كونه ما بين ذلك حمال نجاسات منتنة، و قد مرّ على ممر البول ثلاث مرات. و تكفيه آية واحدة من كتاب اللََّه تعالى لو كان له بصيرة، و هي قوله:
فقد أشارت الآية إلى أنه كان أولا في كتم العدم غير المتناهي، ثم خلقه من أقذر الأشياء الذي هو نطفة مهينة، ثم أماته و جعله جيفة منتنة خبيثة.
و أي شيء أخس و أرذل ممن بدايته محض العدم، و خلقته من أنتن الأشياء و أقذرها، و نهايته الفناء و صيرورته جيفة خبيثة. و هو ما بين المبدإ و المنتهى عاجز ذليل، لم يفوض إليه أمره، و لم يقدر على شيء لنفسه و لا لغيره، إذ سلطت عليه الأمراض الهائلة، و الأسقام العظيمة، و الآفات