و من تأمل في هذه الأخبار، و رجع إلى الوجدان و التجربة، و تذكر أحوال الموصوفين بسوء الخلق و حسنه، يجد أن كل سيء الخلق بعيد من اللََّه و من رحمته، و الناس يبغضونه و يشمئزون منه، و لذا يحرم من برهم و صلتهم و كل حسن الخلق محبوب عند اللََّه و عند الناس، فلا يزال محلا لرحمة اللََّه و فيوضاته، و مرجعا للمؤمنين بإيصال نفعه و خيره إليهم، و إنجاح مقاصده و مطالبه منهم، و لذلك لم يبعث اللََّه سبحانه نبيا إلا و أتم فيه هذه الفضيلة، بل هي أفضل صفات المرسلين و أشرف أعمال الصديقين، و لذا قال اللََّه تعالى لحبيبه مثنيا عليه و مظهرا نعمته لديه.
و لعظم شرافته بلغ رسول اللََّه-صلى اللََّه عليه و آله و سلم-فيه ما بلغ من غايته، و تمكن على ذروته و نهايته، حتى ورد: بينا رسول اللََّه-صلى اللََّه عليه و آله-ذات يوم جالس في المساجد، اذ جاءت جارية لبعض الأنصار و هو قائم [2] فأخذت بطرف ثوبه، فقام لها النبي 6 فلم تقل شيئا و لم يقل لها النبي 6 شيئا، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، فقام لها النبي 6 في الرابعة، و هي خلفه، فأخذت هدبة من ثوبه ثم رجعت. فقال لها الناس:
فعل اللََّه بك و فعل! [3] حبست رسول اللََّه ثلاث مرات لا تقولين له شيئا و لا هو يقول لك شيئا!ما كانت حاجتك إليه؟قالت: إن لنا مريضا فأرسلني