و لا يصدر في ما لا ينبغي، بحيث يخرج عن سياسة الشرع و العقل، بل يكون تابعا لهما في الغضب و عدمه، فيكون غضبه و انتقامه بأمرهما. و لا ريب في أن الاعتدال ليس مذموما، و لا معدودا من الغضب، بل هو من الشجاعة.
و التفريط مذموم معدود من الجبن و المهانة، و ربما كان أخبث من الغضب، إذ الفاقد لهذه القوة لا حمية له، و هو ناقص جدا. و من آثاره عدم الغيرة على الحرم و صغر النفس. و الجور، و تحمل الذل من الأخساء، و المداهنة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الفحشاء. و لذا قيل: «من استغضب فلم يغضب فهو حمار» [1] . و قد وصف اللََّه خيار الصحابة بالحمية و الشدة، فقال:
و الشدة و الغلظة من آثار قوة الغضب، ففقد هذه القوة بالكلية أو ضعفها مذموم. و قد ظهر أن الغضب المعدود من الرذائل هو حد الإفراط الذي يخرجه عن مقتضى العقل و الدين، و حد التفريط و إن كان رذيلة إلا أنه ليس غضبا، بل هو ضد له معدود من الجبن، و حد الاعتدال فضيلة و ضد له و معدود من الشجاعة، فانحصر الغضب بالأول.
ثم الناس كما هم مختلفون في أصل قوة الغضب، كذلك مختلفون في حدوثه و زواله سرعة و بطأ، فيكونان في بعضهم سريعين، و في بعضهم بطيئين و في بعضهم يكون أحدهما سريعا و الآخر بطيئا، و في بعضهم يكون كلاهما
[1] هذه الكلمة منسوبة للشافعي-على ما في إحياء العلوم: ج 3 ص 145 و 156-