متوجها إلى اللّه ممتليا من حبه و أنسه «فقد فاز فوزا عظيما» . و هذا موقوف على المجاهدة في فطام النفس عن الشهوات الحيوانية، و إخراج حب الدنيا عنها رأسا، و الاحتراز عن فعل المعاصي و مشاهداتها و التفكر فيها، و عن مجالسة أهلها و استماع حكاياتهم، بل عن مباحات الدنيا بالكلية، و تخلية السر عما سوى اللّه، و الانقطاع بشراشره إليه، و إخراج محبة كل شيء سوى محبته عن قلبه، حتى يصير حبه سبحانه و الأنس به ملكة راسخة، ليغلب على القلب عند سكرة الموت، و بدون ذلك لا يمكن القطع بذلك، كيف و قد علمت أن الغشية المتقدمة على الموت شبه النوم، و أنت في غالب الرؤيا الظاهرة عليك في المنام لا تجد في قلبك حبا للّه و أنسا به و توجها إليه، بل لا يخطر ببالك أن لك ربا متصفا بالصفات الكمالية، بل ترى ما كنت تألفه و تعتاده من الأمور الباطلة و الخيالات الفاسدة، فإن زهق روحك عند اشتغال خاطرك بشيء من الأمور الدنيوية، و لم يكن متوجها إلى اللّه و مستحضرا معرفته و مبتهجا بحبه و أنسه، لبقيت على تلك الحالة أبدا، و هو الشقاوة العظمى و الخيبة الكبرى.
فتيقظ-يا حبيبي-من سنة الغفلة، و تنبه عن سكر الطبيعة، و اخرج حب الدنيا عن قلبك، و توجه بشراشرك إلى جناب ربك، و اكتف من الدنيا بقدر ضرورتك و لا تطلب منها فوق حاجتك، و اقنع من الطعام ما يقيم صلبك و لا تكثر التناول منه ليزيل من ربك قربك، و ارض من اللباس بما يستر عورتك و لا يظهر للناس سوءتك، و اكتف من المسكن بما يحول بينك و بين الأبصار و يدفع عنك حر الشمس و برد الأمطار، فإن جاوزت عن ذلك تشعبت همومك و تكثرت غمومك، و أحاط بك الشغل الدائم و العناء اللازم و ذهب عنك جل خيراتك و ضاعت بركات أوقاتك. و بعد ذلك راقب قلبك