و البله: أعنى الذين آمنوا باللّه و رسوله و اليوم الآخر إيمانا مجملا راسخا، بمعزل عن هذا الخطر، و لذلك ورد : أن أكثر أهل الجنة البله. و ورد المنع من البحث و النظر و الخوض في الكلام، و الأخذ بظواهر الشرع، مع اعتقاد كونه تعالى منزها عن النقص متصفا بما هو الغاية و النهاية من صفات الكمال و السر في ذلك: أن البله إذا أخذوا بما ورد من الشرع و اعتقدوا به، يثبتون عليه لقصور أذهانهم عن درك الشبهات و عدم اعتيادهم بالتشكيك، فلا يختلج ببالهم شك و شبهة و لو عند الموت.
و أما الخائضون في غمرات البحث و النظر، و الآخذون عقائدهم من عقولهم المزجاة، فليس لهم تثبت على عقائدهم، إذ العقول عن درك صفات اللّه و سائر العقائد الأصولية على ما هي عليه قاصرة، و الأدلة التي يستخرجها مضطربة متعارضة. و أبواب الشكوك و الشبهات بالخوض و البحث تصير مفتوحة.
فأذهانهم دائما محل تعارض العقائد و الشكوك، فربما ثبتت لهم عقيدة بملاحظة بعض دلائله، فيحصل لهم فيها طمأنينة، ثم يعرض لهم شك يرفعها أو يضعفها، فهم دائما في غمرات الحيرة و الاضطراب. فإذا كان حالهم هذا فأخذتهم سكرات الموت، فأي استبعاد في أن يختلج لهم حينئذ شك في بعض عقائدهم. و مثله مثل من انكسرت سفينته و هو في ملتطم الأمواج يرميه موج إلى موج، و الغالب في مثله الهلاك، و إن اتفق نادرا أن يرميه موج إلى الساحل.
و قد نقل عن (نصير الدين الحلي) -و هو من أعاظم المتكلمين-أنه قال:
«إني تفكرت في العلوم العقلية سبعين سنة، و صنفت فيها من الكتب ما لا يحصى، لم يظهر لي منها شيء سوى أن لهذا المصنوع صانعا، و مع ذلك عجائز القوم في ذلك أشد يقينا مني» . فالصواب تلقى أصل الإيمان و العقائد من صاحب الوحي، مع تطهير الباطن عن خبائث الأخلاق، و الاشتغال