يوجب احتراق القلب، فيفيض أثر الحرقة من القلب إلى البدن بالنحول و الصفار و الغشية و البكاء، و إلى الجوارح بكفها عن المعاصي و تقييدها بالطاعات تلافيا لما فرط في جنب اللّه، و من لم يجتهد في ترك المعاصي و كسب الطاعات فليس على شيء من الخوف، و لذا قيل: ليس الخائف من يبكي و يمسح عينيه، بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه. و قال بعض الحكماء: «من خاف شيئا هرب منه، و من خاف اللّه هرب إليه» ، و قال بعض العرفاء:
«لا يكون العبد خائفا حتى ينزل نفسه منزلة السقيم الذي يحتمى مخافة طول السقام» . و إلى الصفات بقمع الشهوات و تكدر اللذات، فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة، كما يصير العسل مكروها عند من يشتهيه إذا عرف كونه مسموما، فتحترق الشهوات بالخوف، و تتأدب الجوارح، و يحصل في القلب الذبول و الذلة و الخشوع و الاستكانة، و تفارقه ذمائم الصفات، و يصير مستوعب الهم بخوفه و النظر في خطر عاقبته، فلا يتفرغ لغيره، و لا يكون له شغل إلا المجاهدة و المحاسبة و المراقبة و الضنة بالأنفاس و اللحظات، و مؤاخذة النفس في الخطرات و الكلمات، و يشتغل ظاهره و باطنه بما هو خائف منه لا متسع فيه لغيره، كما أن من وقع في مخالب ضارى السبع يكون مشغول اللهم به و لا شغل له بغيره. و هذا حال من غلبه الخوف و استولى عليه كما جرى عليه جماعة من الصحابة و التابعين و من يحذوهم من السلف الصالحين فقوة المجاهدة و المحاسبة بحسب شدة الخوف الذي هو حرقة القلب و تألمه، و هو بحسب قوة المعرفة بجلال الله و عظمته و سائر صفاته و أفعاله، و بعيوب النفس و ما بين يديها من الأخطار و الأهوال.
و أقل درجات الخوف مما يظهر أثره في الأعمال أن يكف عن المحظورات و يسمى الكف منها (ورعا) ، فإن زادت قوته كف عن الشبهات، يسمى