في صفاته و أفعاله، و إذا صرف برهة من وقته في هذا التفكر و برهة أخرى في التفكر في عجائب قدرة ربه، و صار ذلك معتادا له، حصل لنفسه كمال قوتيها العقلية و العملية، و خلصت عن الوساوس الشيطانية و الخواطر النفسانية، وفقنا اللّه بعظيم فضله الموصول إلى ما خلقنا لأجله.
(و منها) -أي و من رذائل القوة العاقلة-استنباط وجوده.
المكر و الحيل
للوصول إلى مقتضيات قوتي الغضب و الشهوة. و اعلم أن المكر، و الحيلة، و الخدعة، و النكر، و الدهاء: ألفاظ مترادفة، و هي في اللغة قد تطلق على شدة الفطانة، و أرباب المعقول يطلقونها على استنباط بعض الأمور من المآخذ الخفية البعيدة على ما تجاوز عن مقتضى استقامة القريحة، و لذا جعلوها ضدا للذكاء و سرعة الفهم، و العرف خصصها باستنباط هذه الأمور إذا كانت موجبة لإصابة مكروه إلى الغير من حيث لا يعلم، و ربما فسر بذلك في اللغة أيضا، و هذا المعنى هو المراد هنا.
و لتركبه من إصابة المكروه إلى الغير و من التلبيس عليه، يكون ضده استنباط الأمور المؤدية إلى الخيرية، و النصيحة لكل مسلم، و استواء العلانية للسريرية.
ثم فرق المكر و مرادفاته عن التلبيس و الغش و الغدر و أمثالها، إما باعتبار خفاء المقدمات و بعدها فيها دونها. أو بتخصيص الأولى بنفس استنباط الأمور المذكورة و الثانية بارتكابها، و لذا عدت الأولى من رذائل القوة الوهمية أو العاقلة للعذر المذكور، و الثانية من رذائل الشهوية، و ربما كان استعمالهما على الترادف، و أطلق كل منهما على ما تطلق عليه الأخرى.