السمع الذي يسمع به حفيف حركة اليد مع كونها بعيدة منه، فيترك المص و يهرب، و إذا سكنت اليد عاد، و خلق له حدقتين حتى يبصر مواضع غذائه فيقصده مع صغر حجم وجهه. و لما كانت حدقة كل حيوان صغيرة بحيث لا يحتمل الأجفان لصغره، و كانت الأجفان مصقلة لمرأة الحدقة عن القذى و الغبار، خلق للبعوض و الذباب و غيرهما من الحيوانات الصغيرة يدين ليمسح بهما حدقتيه و يطهرهما عن الغبار و القذى، أ و لا ترى الذباب أنه على الدوام يمسح حدقتيه بيديه. و أما الإنسان و غيره من الحيوانات العظيمة خلق لحدقتيه الأجفان حتى ينطبق أحدهما على الآخر و أطرافهما حادة، فيجمع الغبار الذي يلحق الحدقة و يرميها إلى أطراف الأهداب. فهذه لمعة يسيرة من عجائب صنع اللّه فيه، و فيها من العجائب الظاهرة و الباطنة ما لو اجتمع الأولون و الآخرون على الإحاطة بكنهها عجزوا عن حقيقتها.
أما (النحل)
-فانظر كيف أوحى اللّه تعالى إليها حتى اتخذت! مِنَ اَلْجِبََالِ بُيُوتاً وَ مِنَ اَلشَّجَرِ وَ مِمََّا يَعْرِشُونَ[1]
و استخرج من لعابها الشمع و العسل، و جعل أحدهما ضياء و الآخر شفاء و انظر في عجائب أمرها في تناولها الأزهار و الأنهار و اجتنابها عن النجاسات و الأقذار، و في طاعتها و انقيادها لواحد من جملتهم، و أكبرهم شخصا، و هو أميرهم. و انظر كيف علم اللّه أميرهم أن يحكم بالعدل و الإنصاف بينهم، حتى أنه ليقتل على باب النفذ كل ما وقع منها على نجاسة. ثم انظر إلى بناء بيوتها من الشمع و اختيارها من جملة الأشكال المسدس، فلا يبنى مستديرا و لا مربعا و لا مخمسا، بل اختار المسدس لخاصية يقصر عن دركها أفهام المهندسين، و هو أن أوسع الأشكال و أجودها المستدير، ثم ما يقرب منه،