فلا يمكن أن يتواضع لهم بالكف عن الوسوسة، بل هو من المنظرين لإغوائهم إلى يوم الدين، فلا يتخلص منه أحد إلا من أصبح و همومه هم واحد فيكون قلبه مشتغلا باللّه وحده، فلا يجد الملعون مجالا فيه، و مثله من المخلصين الداخلين في الاستثناء [2] عن سلطنة هذا اللعين، فلا تظنن أنه يخلو عنه قلب فارغ، بل هو سيال يجرى من ابن آدم مجرى الدم، و سيلانه مثل الهواء في القدح، فإنك إن أردت أن تخلى القدح عن الهواء من غير أن تشغله بمثل الماء فقد طمعت في غير مطمع، بل بقدر ما يدخل فيه الماء يخلو عن الهواء، فكذلك القلب إذا كان مشغولا بفكر مهم في الدين يمكن أن يخلو من جولان هذا اللعين، و أما لو غفل عن اللّه و لو في لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان، كما قال سبحانه:
و قال رسول اللّه-6-: «إن اللّه يبغض الشاب الفارغ» ، لأن الشاب إذا تعطل عن عمل مباح يشغل باطنه لا بد أن يدخل في قلبه الشيطان و يعيش فيه و يبيض و يفرخ، و هكذا يتوالد نسل الشيطان توالدا أسرع من توالد الحيوانات، لأن الشيطان طبعه من النار، و الشهوة