يوجد في عالم الشهادة، و هو أن يعلم ببعض الأدلة وحدة الفاعل، مثل أن يقال له: إن كل أحد يعلم أن المنزل يفسد بصاحبين و البلد يفسد بأميرين، فإله العالم و مدبره واحد، إذ:
فيكون ذلك على ذوق ما رآه في عالم الشهادة، فينغرس اعتقاد التوحيد في قلبه بهذا الطريق بقدر عقله و استعداده، و قد كلفوا الأنبياء أن يكلموا الناس على قدر عقولهم.
ثم الحق أن هذا التوحيد الاعتقادي إذا قوى يصلح أن يكون عمادا للتوكل و أصلا فيه، إذ الاعتقاد إذا قوى عمل عمل الكشف في إثارة الأحوال إلا أنه في الغالب يضعف و يتسارع إليه الاضطراب، فيحتاج إلى من يحرسه بكلامه، و أما الذي شاهد الطريق و سلكه بنفسه، فلا يخاف عليه شيء من ذلك، بل لو كشف له الغطاء لما ازداد يقينا و إن كان يزداد وضوحا.
(تنبيه) اعلم أن ما يبتني عليه التوحيد المذكور، أعني كون جميع الأشياء من الأسباب و الوسائط مقهورات مسخرات تحت القدرة الأزلية ظاهر. و سائر ما أوردنا في هذا المقام مما ذكره أبو حامد الغزالي و تبعه بعض أصحابنا «و لا إشكال فيه إلا في أفعال الإنسان و حركاته» [2] . فإن البديهة تشهد بثبوت نوع اختيار له، لأنه يتحرك إن شاء و يسكن إن شاء، مع أنه لو كان مسخرا مقهورا في جميع أفعاله و حركاته، لزم الجبر و لم يصح التكليف و الثواب و العقاب. و لتحقيق هذه المسألة موضع آخر، و لا يليق ذكرها هنا.