الإفاضات. فكن أولا متوسطا بين العلم و العمل جامعا بينهما بقدر الإمكان و لا تكتف بأحدهما حتى لا تكون واحدا من الرجلين القاصمين [1] لظهر فخر الثقلين 6. و كن في العمل متوسطا بين حفظ الظاهر و الباطن فلا تكن في باطنك خبيثا و ظاهرك نقيا، حتى تكون كشوهاء ملبسة بزى حوراء مدلسة بأنواع التدليسات، و لا بالعكس لتكون مثل درة ملوثة بأقسام القاذورات، بل ينبغي أن يكون ظاهرك مرآة لباطنك، حتى يظهر من محاسنك بقدر ما اقتضته ملكاتك الفاضلة الباطنة. و كن في جميع ملكاتك الباطنة و أفعالك الظاهرة متوسطا بين الإفراط و التفريط على ما يقرع سمعك في هذا الكتاب. ثم كن في العلوم متوسطا بين العلوم الباطنة العقلية و العلوم الظاهرة الشرعية، فلا تكن من الذين قصروا أنظارهم على ظواهر الآيات و لم يعرفوا من حقائق البينات، يذمون علماء الحقيقة و ينسبونهم إلى الإلحاد و الزندقة، و لا من الذين صرفوا أعمارهم في فضول أهل يونان و هجروا ما جاء به حامل الوحي و الفرقان، يذمون علماء الشريعة و يثبتون لهم سوء القريحة، يدعون لأنفسهم الذكاء و الفطانة و ينسبون ورثة الأنبياء إلى الجهل و البطالة. ثم كن في العقليات متوسطا بين طرق العقلاء من غير جمود على واحدة منها بمجرد التقليد أو التعصب، فتوسط بين الحكمة و الكلام و الإشراق و العرفان، و اجمع بين الاستدلال و تصفية النفس بالعبادة و الرياضة، فلا تكن متكلما صرفا لا تعرف سوى الجدل، و لا مشائيا محضا أضاع الدين و أهمل و لا متصوفا استراح بدعوى المشاهدة و العيان من دون بينة و برهان. و كن في العلوم الشرعية متوسطا بين الأصول و الفروع، فلا تكن أخباريا تاركا