responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة نویسنده : رفيع الدين محمد الجيلاني    جلد : 1  صفحه : 184

تأمّل التدبير في خلق آكلات اللحم من الحيوان حين جُعلت ذوات أسنان حِداد وبراثنَ شِداد وأشداقٍ وأفواه واسعة، فإنّه لمّا قدّر أن يكون طعمها اللحم خلقت خلقةً تشاكل ذلك، واعينت لسلاح وأدوات تصلح للصيد، وكذلك تجد سباعَ الطير ذواتِ مناقيرَ ومخالبَ مهيّئة لفعلها، ولو كانت الوحوش ذواتِ مخاليبَ كانت قد اعطيت ما لا يُحتاج إليه، أعني السلاح الذي به تصيد وتتعيّش، أفلاترى اعطي كلّ واحد من الصنفين ما يشاكل صنعه وطبعه، بل ما فيه صلاحه وبقاؤه.

انظر الآنَ إلى ذوات الأربع، كيف تراها تتبع امّهاتها مستقلّةً بأنفسها، لاتحتاج إلى الحمل والتربية كما يحتاج أولاد الإنس، فلأجل أنّه ليس عند امّهاتها ما عند امّهات البشر من الرفق والقيام بالتربية والقوّة عليها والأكفّ والأصابع المرساة؛ لذلك اعطيت النهوضَ والاستقلالَ بأنفسها، وكذلك ترى كثيراً من الطير كمثل الدجاج والدرّاج والقبج تدرج وتلقط حين ينقاب [عنها] البيض.

فأمّا ما كان ضعيفاً لا نهوض فيه كمثل فراخ الحمام واليمام والحمر فقد جُعل في الامّهات فضلُ عطفٍ عليها، فصارت تمجّ الطعام في أفواهها بعد ما توعيه‌ [1] حواصلَها [2]، فلا تزال تغنوها حتّى تستقلّ بأنفسها، ولذلك لم ترزق الحمام فراخاً كثيراً مثل ما ترزق الدجاج لتقوى الامّ على تربية فراخها، فلا تفسد ولا تموت، فكلٌّ اعطي بقسط من تدبير الحكيم اللطيف الخبير.

انظر إلى قوائم الحيوان كيف تأتي أزواجاً ليتهيّأ للمشي، ولو كانت أفراداً لم تصلح لذلك؛ لأنّ الماشي ينقل قوائمه ويعتمد عليه؛ فذو القائمتين ينقل واحدة ويعتمد على واحدة، وذو الأربع ينقل اثنتين، ويعتمد على اثنتين، وذلك من خلاف؛ لأنّ ذا الأربع لو كان ينقل قائمتين من أحد جانبيه، ويعتمد على قائمتين من الجانب الآخَر، لما يثبت على الأرض كما لا يثبت السرير وما أشبهه، فصار ينقل اليمنى من مقاديمه‌


[1]. توعيه، من أوعى الزاد ونحوه، أي جعله في الوعاء. لسان العرب، ج 15، ص 397 (وعي).

[2]. الحوصل والحوصلة والحوصلاء من الطائر بمنزلة المعدة من الإنسان. لسان العرب، ج 11، ص 154 (حصل).

نام کتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة نویسنده : رفيع الدين محمد الجيلاني    جلد : 1  صفحه : 184
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست