والمستفاد من كلامهم : أنّ صفاته تعالى كلّها انتزاعيّة، وأنّ منشأ انتزاع بعضها مجرّد ذاته تعالى، وعبّروا : عن هذا القسم بصفات الذات، أي التي عين الذات.
ومنشأ انتزاع بعضها ذاته تعالى مع ملاحظة أثر من آثاره، وعبّروا : عن هذا القسم بصفات الفعل، أي التي مصداقها عين الفعل.
ويستفاد من تصريحاتهم : أنّ كلّ صفة توجد هي ونقيضها في حقّه تعالى فهي من صفات الفعل، وكلّ صفة ليست كذلك فهي من صفات الذات.
ولاتنتقض تلك القاعدة بالأوّل والآخر؛ لأنّ المراد من الأوّل في حقّه تعالى أنّه ليس قبله شيء، ومن الآخر أنّه ليس بعده شيء، فلا تَناقض بينهما.
وأقول: يمكن إرجاع صفات الذات كلّها إلى معانٍ سلبية، مثلًا نقول: ليس معنى القادر من قام به القدرة ولا معنى العالم من قام به العلم، بل معناهما من ليس بعاجز ومن ليس بجاهل.
ويمكن إرجاع صفات الفعل كلّها إلى معانٍ وجوديّة، مثلًا معنى المشيّة والإرادة والتقدير خلق نقوش في اللوح المحفوظ مسمّاة بتلك الأسماء. ويمكن حمل صفات الذات على معانٍ وجوديّة يصحّ انتزاعها منه تعالى.
وقد ذكر ابن سينا شُبْهةً عَجَزَ عن جوابها. وكان قوله [في ح 6]: «فقد أثبتنا معه غيره في أزليّته» إشارة إليها، وهي أنّ علمه تعالى في الأزل متعلّق بكل مفهوم، فلا بدّ للمفهومات من وجود أزليّ، فوجودها في الأزل إمّا وجود خارجيّ أو ذهنيّ، وعلى التقديرين هي قائمة بأنفسها أو بغيرها. وعلى تقدير قيامها بغيرها فهي قائمة بذاته تعالى أو بغيره تعالى، والكلّ محال.
وقد ذكر صاحب المحاكمات احتمالًا في الوجود الذهنيّ وهو أن يكون وجود ذهنيّ غير قيام الموجود الذهنيّ بشيء.
وجواب الشبهة منحصر في التمسّك بهذا الاحتمال بأن يقال: ذاته تعالى وجود ذهنيّ لكلّ المفهومات الغير المتناهية عن غير قيام الوجود بها، ومن غير قيامها بشيء ومن غير قيامها بنفسها.