وبعبارة أخرى: إن الاستطاعة للحج إذا كانت لا تتحقق لكل شخص إلا مرة واحدة في عمره فمقتضى إيجاب الحج على أهل الجدة والاستطاعة في كل عام أن من يستطيع في عام يلزمه الحج في عام استطاعته، لا أنه مكلف بالحج في جميع الأعوام، كما أن مفاد قوله: (اركبوا سياراتكم) هو أن كل واحد يركب سيارة نفسه حيث لا يمكنه أن يركب أزيد من سيارة واحدة في الوقت نفسه.
ولكن لما كانت الاستطاعة مما يتكرر حصولها لبعض الأشخاص فمقتضى مقابلة الجمع بالجمع في مثله هو أن كل من تحقق له الاستطاعة في عام يحج في ذلك العام، وإن سبق له أن استطاع وأتى بالحج في عام سابق نظير ما إذا قال: (اذبحوا حيواناتكم) وكان لشخص حيوان واحد ولآخر عشرون حيواناً، فإن مقتضى مقابلة الجمع بالجمع فيه هو أن يذبح كل واحد ما له من الحيوان واحداً كان أم متعدداً، لا أن يكتفي من لديه أكثر من حيوان بذبح واحد منها فقط.
فظهر بهذا عدم تمامية هذا الموقف الرابع كالمواقف الثلاثة المتقدمة مما قيل في الاتجاه الثاني بشأن روايات فرض الحج على أهل الجدة في كل عام.
وقد تلخص من جميع ما تقدم عدم تيسر التوصل إلى تفسير صحيح لهذه الروايات غير مخالف لما هو المتسالم عليه من أن الحج لا يجب على المستطيع أزيد من مرة واحدة، فالأولى ردُّ علمها إلى أهله.