و ذكر الحكماء بأنَّ المروءة في المجتمع بوجود أربع خصال في فرده (بأن يعتزل الريبة فلا يكون في شيء منها فإذا كان مريباً كان ذليلًا، و أن يصلح ماله فلا يفسده فإنه إن أفسد ماله لم تكن له مروءة، و أن يقوم لأهله بما يحتاجون إليه حتى يستغنوا به عن غيره فإنَّ من احتاج أهله إلى الناس لم تكن له مروءة، و أن ينظر ما يوافقه من الطعام و الشراب فيلزمه فإنَّ ذلك من المروءة) [1].
و قد مُدِحَ أهل بغداد لأن أهلهم كانوا أهل مروءة، فقد روي عن ذي النون أنه كان يقول بمصر: من أراد أن يتعلم المروءة فعليه بسقاة بغداد، فقيل له: و كيف ذاك؟ فقال: لما حملت إلى بغداد رمي بي على باب السلطان مقيداً فمرَّ بي رجل متزر بمنديل مصري معتم بمنديل ديبقي بيده كيزان خزف رقاق و زجاج مخروط فسألت هذا ساقي السلطان؟ فقيل لي: لا، هذا ساقي العامة فأومأت إليه اسقني فتقدم و سقاني فشممت في الكوز رائحة المسك فقلت لمن معي: ادفع إليه ديناراً فأعطاه الدينار فأبى و قال: ليس آخذ شيئاً، فقلت له: و لِمَ؟ فقال: أنت أسير و ليس من المروءة أن آخذ منك شيئاً، فقلت: كمل الظرف في هذا) [2].
و قد ذمَّ أهل خراسان بفقدان المروءة بقول الشاعر فيهم [3]: