الثالث: أنّ ما تأخّره و لحقه ممّا كان وجوده- أي: الملك- سببا له و مؤثّرا فيه- لتوقّف ذلك الشيء على وجوده- فهو للّه تعالى.
الرابع: أنّ ما تخلّل بين ذلك القادم و هذا الغابر- أي: نفس وجود الملك المحفوف بما تقدّم عليه، و بما تأخّر عنه- فهو للّه تعالى، و هذا الأمر الرابع غامض غايته، و لا ينكشف إلّا لمن شاهد صمديّة اللّه تعالى، و أجوفيّة ما عداه و اعتماله، و إلّا لمن تدبّر قوله تعالى «وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ»[1]، إذ القلب هو الأصل المحقّق لموجوديّة الإنسان، فإذا كان اللّه الذي لا حدّ لوجوده حائلا بين الإنسان و نفسه بلا امتزاج يكون خارجا عنه أيضا بلا تزايل، و لا خصيصة لذلك بالإنسان، بل يعمّه، و الملك و الفلك من الذرّة إلى الدرّة، و من الثرى الى الثريا، و أيّ موجود من الثقلين. فعليه، لو شاهد أيّ شيء ما شاهدته الملائكة لقال أيضا ما قالته هؤلاء الكرام، من: أنّ للّه سبحانه ما تقدّم، و ما تأخّر، و ما تخلّل بين السابق و اللاحق، فلا يبقى هناك إلّا وجه اللّه الباقي، و يظهر فناء ما عداه البالي.
و الحاصل: أنّ المصلّي المناجي ربّه يتحلّى بحلية الصلاة، و يتصوّر بصورتها، و الصلاة ليست إلّا المناجاة مع اللّه، و لا حقيقة للنجوى إلّا وجه اللّه الباقي، فلا سهم للصلاة الّتي اتّحد بها المصلّي إلّا شهود وجه اللّه، الحافّ للصلاة بحدودها الداخليّة، و حواشيها الخارجيّة، و من هنا يظهر سرّ فاتحة الصلاة السابقة عليها، و سرّ خاتمتها اللاحقة لها، و لعلّه لذا قال اللّه سبحانه «فَإِذٰا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَ إِلىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ»[2]، أي: إذا فرغت من صلاتك (على احتمال) فانصب نفسك لإدامة العبادة بتعقيبها، و لتكن رغبتك إليه تعالى دون ما عداه، و حيث إنّ الرهبة على وزان الرغبة فإذا انحصرت الرغبة إلى اللّه تعالى، لإفادة تقديم الجارّ ذلك تنحصر الرهبة فيه تعالى؛ لأنّ مساقهما واحد. و قد روى مسعدة بن صدقة، عن أبي جعفر- 7- أنّه قال في قوله تعالى: «فَإِذٰا فَرَغْتَ. إلى آخره» أي: إذا قضيت