و كما أنّ ظاهر القرآن العربيّ لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه فكذلك سرّه الذي هو العليّ الحكيم منزّه عن تسرّب الباطل عن أيّة جهة و سمت أبدا، و من كان في قلبه مثقال ذرّة من حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ باطل و خطأ فكيف ينال ما هو المصون عنه مطلقا؟ إذ لا طريق للخطإ إلى الصواب، فالحنين إلى رأس الخطأ لا يجتمع مع عزم الصائب الصرف، كما لا تجتمع وليمة و عزيمة. و حيث إنّ أدب الصلاة ذريعة إلى سرّها فالمصلّي المتأدّب بأدبها من الحضور القلبيّ يصل إلى سرّها، و هو الوجود العينيّ العقليّ الفائق عن الوجود المثاليّ، فضلا عن الطبيعيّ، سيّما الاعتباريّ المتحقّق في عالم الطبيعة. و ما صلاه الرسول الأكرم- 6- في المعراج كان جامعا لجميع نشآت الصلاة، و المصلّي الذي له حضور تامّ فهو الذي يناجي ربّه، و يقول: إيّاك نعبد و إيّاك نستعين، و معلوم أنّ هذا المصلّي المستغرق في شهود الكثرة- حسب التعبير بصيغة المتكلّم مع الغير- لم يبلغ بعد مرحلة الوحدة الصرفة الّتي لا أثر هناك للنجوى و لا للمناجي، فضلا عن غيرهما من أولي العبادة و النداء و النجوى و الاستعانة، و لكنّ السلّم منصوب، و الأمر بالقراءة و الرقي (اقرأ و ارق) مسموع، و الامتثال ميسور.
و قد تقدّم: أنّ النظام العينيّ قد استقرّ على العلّيّة و المعلوليّة كما قال أمير المؤمنين عليّ 7: «كلّ قائم في سواه معلول» [1]، أي: كلّ موجود لا يكون وجوده عين ذاته فهو معلول لما يكون وجوده محض ذاته، و لا ريب في لزوم كون العلّة أقوى من المعلول، و مع ذلك قال بعض أهل المعرفة [2]: إنّ «بسم اللّه» من العبد بمنزلة «كن» من الربّ، و قد ورد فيه: أنّه أقرب إلى اسم اللّه الأعظم من سواد العين إلى بياضها، فالمصلّي العارف بحكمة الصلاة، المتأدّب بأدبها يصل الى حدّ يكون تلفّظه ب «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» في بدء الفاتحة الّتي لا صلاة بدونها بمنزلة «كن» من اللّه الذي إذا صدر منه يتحقّق المراد و يكون (بالكون التامّ لا الناقص).