إنّ المعتبر في الصلاة الثنائيّة هو قراءة فاتحة الكتاب و سورة، و كذا المعتبر في الأولتين من غيرها كالثلاثيّة و الرباعيّة، و قد ورد أنّه: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» [1]، فقراءة شيء من القرآن في الصلاة على ما دوّن في الفقه واجبة، و القراءة لها سرّ باعتبار أنّ المقروء له سرّ، فما لم يكن القارئ ذا سرّ فلا يصل هو إلى سرّ القراءة، و لا ينال أيضا سرّ المقروء، فتكون قراءته بتراء.
و الشاهد على أنّ المقروء- أي: القرآن الكريم- له سرّ هو ما بيّنه اللّه سبحانه بقوله «إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتٰابِ لَدَيْنٰا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ»[2] لدلالته على أنّ الموجود بين الدفّتين بما أنّه كتاب عربيّ فهو قرآن، و هو نفسه بما أنّه في أمّ الكتاب أيضا قرآن، و بما أنّه عليّ حكيم أيضا قرآن، و هنالك- أي: أمّ الكتاب، و لدى اللّه- لا مجال للاعتبار من وضع الألفاظ العربيّة أو العبريّة أو نحوهما، و ليس لدى اللّه إلّا الأمر المجرّد التامّ العقليّ الذي لا يناله إلّا العقل المحض الخالص عن شوب الخيال و الوهم، و كما أنّ ظاهر القرآن العربيّ لا يمسّه إلّا الطاهر عن الحدث و الخبث كذلك سرّه لا يمسّه إلّا المنزّه عن الرين و الدنس، و هو الالتفات الى غير المعبود، إذ الناظر إلى غيره لا يقدر العروج إلى موطن اللدن، و إذا لم يعرج إليه ليس في وسعه أن ينال أمّ الكتاب العليّ الحكيم؛ لأنّه لدى اللّه تعالى.