responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 6  صفحه : 184

و فادوا أنفسهم بأموال جزيلة، فجمع لهم بين خيرى الدنيا و الآخرة، و لهذا قال تعالى‌ وَ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ‌ و قد تقدم بيان هذا في غزوة بدر، و قال تعالى‌ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى‌ [1] إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‌ و هكذا وقع فان اللَّه عوض من أسلّم منهم بخير الدنيا و الآخرة*

و من ذلك ما ذكره البخاري‌ أن العباس جاء إلى رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) فقال: يا رسول اللَّه أعطنى، فانى فأديت نفسي، و فاديت عقيلا، فقال له: خذ، فأخذ في ثوب مقدارا لم يمكنه أن يقله،

ثم وضع منه مرة بعد مرة حتى أمكنه أن يحمله على كاهله، و انطلق به كما ذكرناه في موضعه مبسوطا* و هذا من تصديق هذه الآية الكريمة، و قال تعالى: وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ الآية، و هكذا وقع عوضهم اللَّه عما كان يغدو إليهم مع حجاج المشركين، بما شرعه لهم من قتال أهل الكتاب، و ضرب الجزية عليهم، و سلب أموال من قتل منهم على كفره، كما وقع بكفار أهل الشام من الروم و مجوس الفرس، بالعراق و غيرها من البلدان التي انتشر الإسلام على أرجائها، و حكم على مدائنها و فيفائها، قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‌ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ‌ و قال تعالى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ‌ الآية، و هكذا وقع، لما رجع (صلى اللَّه عليه و سلم) من غزوة تبوك كان قد تخلف عنه طائفة من المنافقين، فجعلوا يحلفون باللَّه لقد كانوا معذورين في تخلفهم، و هم في ذلك كاذبون، فأمر اللَّه رسوله أن يجرى أحوالهم على ظاهرها، و لا يفضحهم عند الناس، و قد أطلعه اللَّه على أعيان جماعة منهم أربعة عشر رجلا كما قدمناه لك في غزوة تبوك، فكان حذيفة بن اليمان ممن يعرفهم بتعريفه إياه (صلى اللَّه عليه و سلم).

و قال تعالى: وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا و هكذا وقع، لما اشتوروا عليه ليثبتوه: أو يقتلوه أو يخرجوه من بين أظهرهم، ثم وقع الرأى على القتل، فعند ذلك أمر اللَّه رسوله بالخروج من بين أظهرهم، فخرج هو و صديقه أبو بكر، فكمنا في غار ثور ثلاثا، ثم ارتحلا بعدها كما قدمنا، و هذا هو المراد بقوله‌ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‌ وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‌ و هو المراد من قوله‌ وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ‌ و لهذا قال: وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا و قد وقع كما أخبر فان الملأ الذين اشتوروا على ذلك لم يلبثوا بمكة بعد هجرته (صلى اللَّه عليه و سلم) إلا ريثما استقر ركابه الشريف بالمدينة


[1] كذا في النسخ و لعلها قراءة سبعية.

نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 6  صفحه : 184
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست