responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 12  صفحه : 73

بغداد سنة تسع و تسعين و ثلاثمائة، فأقام بها سنة و سبعة أشهر، ثم خرج منها طريدا منهزما، لأنه سأل سؤالا بشعر يدل على قلة دينه و علمه و عقله فقال:

تناقض فما لنا إلا السكوت له* * * و أن نعوذ بمولانا من النار

يد بخمس مئين عسجد وديت* * * ما بالها قطعت في ربع دينار

و هذا من إفكه يقول: اليد ديتها خمسمائة دينار، فما لكم تقطعونها إذا سرقت ربع دينار، و هذا من قلة عقله و علمه، و عمى بصيرته. و ذلك أنه إذا جنى عليها يناسب أن يكون ديتها كثيرة لينزجر الناس عن العدوان، و أما إذا جنت هي بالسرقة فيناسب أن تقل قيمتها و ديتها لينزجر الناس عن أموال الناس و تصان أموالهم، و لهذا قال بعضهم: كانت ثمينة لما كانت أمينة، فلما خانت هانت.

و لما عزم الفقهاء على أخذه بهذا و أمثاله هرب و رجع إلى بلده، و لزم منزله فكان لا يخرج منه. و كان يوما عند الخليفة و كان الخليفة يكره المتنبي و يضع منه، و كان أبو العلاء يحب المتنبي و يرفع من قدره و يمدحه، فجرى ذكر المتنبي في ذلك المجلس فذمه الخليفة، فقال أبو العلاء: لو لم يكن للمتنبي إلا قصيدته التي أولها

لك يا منازل في القلوب منازل‌

لكفاه ذلك. فغضب الخليفة و أمر به فسحب برجله على وجهه و قال: أخرجوا عنى هذا الكلب. و قال الخليفة: أ تدرون ما أراد هذا الكلب من هذه القصيدة؟ و ذكره لها؟ أراد قول المتنبي فيها:

و إذا أتتك مذمتى من ناقص* * * فهي الدليل على أنى كامل‌

و إلا فالمتنبى له قصائد أحسن من هذه، و إنما أراد هذا. و هذا من فرط ذكاء الخليفة، حيث تنبه لهذا. و قد كان المعرى أيضا من الأذكياء، و مكث المعرى خمسا و أربعين سنة من عمره لا يأكل اللحم و لا اللبن و لا البيض، و لا شيئا من حيوان، على طريقة البراهمة الفلاسفة، و يقال إنه اجتمع براهب في بعض الصوامع في مجيئه من بعض السواحل آواه الليل عنده، فشكّكه في دين الإسلام، و كان يتقوت بالنبات و غيره، و أكثر ما كان يأكل العدس و يتحلى بالدبس و بالتين، و كان لا يأكل بحضرة أحد، و يقول: أكل الأعمى عورة، و كان في غاية الذكاء المفرط، على ما ذكروه، و أما ما ينقلونه عنه من الأشياء المكذوبة المختلقة من أنه وضع تحت سريره درهم فقال: إما أن تكون السماء قد انخفضت مقدار درهم أو الأرض قد ارتفعت مقدار درهم، أي أنه شعر بارتفاع سريره عن الأرض مقدار ذلك الدرهم الّذي وضع تحته، فهذا لا أصل له. و كذلك يذكرون عنه أنه مر في بعض أسفاره بمكان فطأطأ رأسه فقيل له في ذلك فقال: أما هنا شجرة؟ قالوا: لا، فنظروا فإذا أصل شجرة كانت هناك في الموضع الّذي طأطأ رأسه فيه، و قد قطعت، و كان قد اجتاز بها قديما مرة فأمره من كان معه بمطأطأة رأسه لما جازوا تحتها، فلما مر بها المرة الثانية طأطأ رأسه خوفا من أن يصيبه شي‌ء منها، فهذا

نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 12  صفحه : 73
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست