responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 10  صفحه : 200

عليه الرشيد المال فأبى أن يقبل منه ذلك [1]. توفي بمكة في المحرم من هذه السنة. و ذكروا أنه كان شاطرا يقطع الطريق، و كان يتعشق جارية، فبينما هو ذات ليلة يتسور عليها جدارا إذ سمع قارئا يقرأ أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ‌ [الحديد: 16] فقال: بلى! و تاب و أقلع عما كان عليه. و رجع إلى خربة فبات بها فسمع سفارا يقولون: خذوا حذركم إن فضيلا أمامكم يقطع الطريق، فأمنهم و استمر على توبته حتى كان منه ما كان من السيادة و العبادة و الزهادة، ثم صار علما يقتدى به و يهتدى بكلامه و فعاله.

قال الفضيل: لو أن الدنيا كلها حلال أحاسب بها لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه، و قال: العمل لأجل الناس شرك، و ترك العمل لأجل الناس رياء، و الإخلاص أن يعافيك اللَّه منهما. و قال له الرشيد يوما: ما أزهدك، فقال: أنت أزهد مني، لأني أنا زهدت في الدنيا التي هي أقل من جناح بعوضة، و أنت زهدت في الآخرة التي لا قيمة لها، فأنا زاهد في الفاني و أنت زاهد في الباقي. و من زهد في درة أزهد ممن زهد في بعرة. و قد روى مثل هذا عن أبي حازم أنه قال ذلك لسليمان بن عبد الملك.

و قال: لو أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للإمام، لأن به صلاح الرعية، فإذا صلح أمنت العباد و البلاد. و قال: إني لأعصى اللَّه فأعرف ذلك في خلق حماري و خادمي و امرأتي و فأر بيتي. و قال في قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7]. قال: يعني أخلصه و أصوبه، إن العمل يجب أن يكون خالصا للَّه، و صوابا على متابعة النبي (صلى اللَّه عليه و سلم). و فيها توفي:

بشر بن المفضل، و عبد السلام بن حرب، و عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ، و عبد العزيز العمي، و علي بن عيسى، الأمير ببلاد الروم مع القاسم بن الرشيد في الصائفة. و معتمر بن سليمان و أبو شعيب البراثي الزاهد، و كان أول من سكن براثا في كوخ له يتعبد فيه، فهويته امرأة من بنات الرؤساء فانخلعت مما كانت فيه من الدنيا و السعادة و الحشمة، و تزوجته و أقامت معه في كوخه تتعبد حتى ماتا، يقال إن اسمها جوهرة.

ثم دخلت سنة ثمان و ثمانين و مائة

فيها غزا إبراهيم بن إسرائيل [2] الصائفة فدخل بلاد الروم من درب الصفصاف فخرج النقفور للقائه فجرح النقفور ثلاث جراح، و انهزم و قتل من أصحابه أكثر من أربعين ألفا، و غنموا أكثر من أربعة آلاف دابة. و فيها رابط القاسم بن الرشيد بمرج دابق. و فيها حج بالناس الرشيد، و كانت آخر حجاته. و قد قال أبو بكر حين رأى الرشيد منصرفا من الحج- و قد اجتاز بالكوفة- لا يحج الرشيد بعدها، و لا يحج بعده خليفة أبدا. و قد رأى الرشيد بهلول الموله فوعظه موعظة حسنة، فروينا من طريق الفضل بن الربيع الحاجب قال: حججت مع الرشيد فمررنا بالكوفة فإذا بهلول المجنون يهذي، فقلت: اسكت فقد أقبل أمير المؤمنين، فسكت. فلما حاذاه الهودج قال: يا أمير المؤمنين حدثني أيمن بن نائل [3]، ثنا قدامة بن عبد اللَّه العامري قال: رأيت النبي (صلى اللَّه عليه و سلم) بمنى على جمل و تحته رحل رث، و لم يكن ثمّ طرد و لا ضرب و لا إليك إليك. قال الربيع فقلت: يا أمير المؤمنين إنه بهلول، فقال: قد عرفته، قل يا بهلول فقال:


[1] لعل المؤلف ذكر الرواية في كتاب آخر و سها عن ذلك فأثبت ملاحظته هنا و لم يأت على ذكرها في كتابنا. و قد ذكر المسعودي رواية بهذا المعنى بينه و بين الرشيد مروج الذهب: 3/ 434 و وفيات الأعيان 4/ 48. و صفة الصفوة 2/ 245.

[2] في الطبري 10/ 95 جبريل و ابن الأثير 6/ 190: جبرائيل.

[3] في صفة الصفوة 2/ 517: نابل. و هو أبو عمران و يقال أبو عمرو الحبشي المكيّ نزيل عسقلان صدوق يهم، من الخامسة. (انظر تقريب التهذيب 1/ 88).

نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 10  صفحه : 200
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست