كنائس بلادهم ، وقد سمعت أيضا عن قنطرتها العظمى وكثرة أرحيّ واديها ، يقال : إنها تنيّف على خمسة آلاف حجر ، وقد سمعت عن كنبانيّتها وما فضّل الله تعالى به تربها من بركة وما ينبت فيها من القمح وطيبه ، وفيها جبال الورد الذي بلغ الربع منه مرات إلى ربع درهم ، وصار أصحابه يرون الفضل لمن قطف بيده ما يمنحونه منه ، ونهرها إن صغر عندها عن عظمه عند إشبيلية فإنّ لتقارب برّيه هنالك وتقطّع غدره ومروجه معنى آخر وحلاوة أخرى ، وزيادة أنس ، وكثرة أمان من الغرق ، وفي جوانبه من البساتين والمروج ما زاده نضارة وبهجة.
وأما جيّان فإنها لبلاد الأندلس قلعة ، إذ هي أكثرها زرعا ، وأصرمها أبطالا ، وأعظمها منعة ، وكم رامتها عساكر النصارى عند فترات الفتن فرأوها أبعد من العيّوق ، وأعزّ منالا من بيض الأنوق ، ولا خلت من علماء ولا من شعراء ، ويقال لها «جيان الحرير» لكثرة اعتناء باديتها وحاضرتها بدود الحرير.
وممّا يعدّ في مفاخرها ما ببيّاسة إحدى بلاد أعمالها من الزعفران الذي يسفّر برّا وبحرا ، وما في أبدة من الكروم التي كاد العنب لا يباع [١] فيها ولا يشترى كثرة ، وما كان بأبدة من أصناف الملاهي والرواقص المشهورات بحسن الانطباع والصنعة ، فإنهنّ أحذق خلق الله تعالى باللعب بالسيوف والدك ، وإخراج القروى والمرابط والمتوجه.
وأما غرناطة فإنها دمشق بلاد الأندلس ، ومسرح الأبصار ، ومطمح الأنفس ، لها القصبة المنيعة ذات الأسوار الشامخة ، والمباني الرفيعة ، وقد اختصّت بكون النهر يتوزّع على ديارها وأسواقها وحماماتها [٢] وأرحاها الداخلة والخارجة وبساتينها ، وزانها الله تعالى بأن جعلها مرتّبة على بسيطها الممتدّ الذي تفرّعت فيه سبائك الأنهار بين زبرجد الأشجار [٣] ، ولنسيم نجدها وبهجة منظر حورها في القلوب والأبصار ، استلطاف يروق الطباع [٤] ، ويحدث فيها ما شاءه الإحسان من الاختراع والابتداع ، ولم تخل من أشراف أماثل ، وعلماء أكابر ، وشعراء أفاضل ، ولو لم يكن لها إلّا ما خصّها الله تعالى به من كونها قد نبغ فيها من الشواعر مثل نزهون القلاعية وزينب بنت زياد ، وقد تقدّم شعرهما ، وحفصة بنت الحاج ، وناهيك في الظرف والأدب ، وهل ترى أظرف منها في جوابها للحسيب الوزير [٥] الناظم الناثر أبي جعفر بن القائد الأجلّ أبي مروان بن سعيد ، وذلك أنهما باتا بحور مؤمّل على ما يبيت به الروض والنسيم ،