وقال أبو عامر بن شهيد : لمّا قدم زهير الصقلبي [١] إلى حضرة قرطبة من المرية وجّه وزيره أبو جعفر ابن عباس إلى لمّة من أصحابنا منهم ابن برد وأبو بكر المرواني وابن الحناط [٢] والطبني ، فحضروا إليه ، فسألهم عنّي ، وقال : وجّهوا إليه ، فوافاني رسوله [٣] مع دابة بسرج محلّى ثقيل ، فسرت إليه ، ودخلت المجلس ، وأبو جعفر غائب ، فتحرّك [٤] المجلس لدخولي ، وقاموا جميعا لي ، حتى طلع أبو جعفر علينا ساحبا ذيلا لم أر أحدا سحبه قبله ، وهو يترنّم ، فسلمت عليه سلام من يعرف قدر الرجال ، فردّ ردا لطيفا ، فعلمت أنّ في أنفه نعرة لا تخرج إلّا بسعوط الكلام ، ولا تراض [٥] إلّا بمستحصد النظام ، ورأيت أصحابي يصيخون إلى ترنّمه.
فقال لي ابن الحناط ، وكان كثير الإنحاء عليّ [٦] ، جالبا في المحافل ما يسوء إليّ : إنّ الوزير حضره قسيم ، وهو يسألنا إجازته ، فعلمت أني المراد ، فاستنشدته ، فأنشد : [الكامل]
مرض الجفون ولثغة في المنطق
فقلت لمن حضر : لا تجهدوا أنفسكم ، فما المراد غيري ، ثم أخذت الدواة فكتبت : [الكامل]
سببان جرّا عشق من لم يعشق
من لي بألثغ لا يزال حديثه
يذكي على الأحشاء جمرة محرق
ينبي فينبو في الكلام لسانه
فكأنه من خمر عينيه سقي
لا ينعش الألفاظ من عثراتها
ولو انها كتبت له في مهرق
ثم قمت عنهم ، فلم ألبث أن وردوا عليّ ، وأخبروني أنّ أبا جعفر لم ترض [٧] بما جئت
[١] في ج : «الصقلي» وهو خطأ ، وقد كان زهير هذا من فتيان الصقالبة بالأندلس.