وحكي أن أيوب بن سليمان السهيلي المرواني حضر يوما عند ابن باجة [٢] ، والشاعر وأبو الحسن بن جودي هناك ، فتكلّم المرواني بكلام ظهر فيه نبل وأدب ، فتشوّف أبو الحسن بن جودي لمعرفته ، وكان إذ ذاك فتيّ السّنّ ، فقال له : من أنت أكرمك الله تعالى؟ فقال : هلا سألت غيري عني فيكون ذلك أحسن لك أدبا ولي توقيرا ، فقال ابن جودي : قد سألت من المعرف عنك فلم يعرفك ، فقال : يا هذا ، طالما مرّ علينا زمان [٣] يعرفنا من يجهل ، ولا يحتاج من يرانا فيه إلى أن يسأل ، وأطرق ساعة ، ثم رفع رأسه وأنشد : [الطويل]
ففطن ابن جودي أنه من بني مروان ، فقام وقبّل رأسه ، واعتذر إليه ، ثم انصرف المرواني ، فقال ابن باجة لابن جودي : أساء أدبك [٥] بعدما عهدت منك؟ كيف تعمد إلى رجل في مجلسي تجدني [٦] قد قربته وأكرمته وخصصته بالإصغاء إلى كلامه فتقدّم عليه بالسؤال عن نفسه؟ فاحذر أن تكون لك عادة ، فإنها من أسوأ الأدب ، فقال ابن جودي : لم نزل [٧] من الشيخ على ما قاله أبو تمام : [المنسرح]